ولاية أوسرد 20 ماي 2017 (واص) - القى اليوم السبت رئيس الجمهورية ، الأمين العام لجبهة البوليساريو السيد ابراهيم غالي كلمة خلال اشرافه على انطلاق الاحتفالات المخلدة للذكرى الـ 44 لاندلاع الكفاح المسلح بولاية أوسرد .
وفيما يلي النص الكلمة :
بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة والأخوات،
نحتفل اليوم بمرور 44 سنة على اندلاع الكفاح المسلح ضد الوجود الاستعماري في الصحراء الغربية. بعد محطة تأسيس الجبهة في 10 ماي 1973، كانت محطة الخنكة إيذاناً ميدانياً بالانطلاقة الفعلية في معركة التحرير الوطني التي يخوضها الشعب الصحراوي، بقيادة ممثله الشرعي والوحيد، الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب.
وفي هذا اليوم التاريخي نقف وقفة ترحم وإجلال وتقدير وخشوع أمام أرواح شهدائنا البررة، أولئك الأبطال الأفذاذ، الذين عاهدوا الله والشعب الصحراوي، ومضوا على درب التضحية والشهادة، ولم يبدلوا تبديلاَ، ونتذكر أولئك الذين قدموا المثال والنبراس لنا جميعاً، فكانوا حاضرين بتفاني وإخلاص في قيادة هذا المشروع الوطني التحرري منذ البدايات الأولى، من أمثال قائد الثورة الصحراوية، شهيد الحرية والكرامة، الولي مصطفى السيد، والرئيس الشهيد محمد عبد العزيز.
وقد جاء التأسيس واندلاع الكفاح المسلح كامتداد طبيعي لتطور المقاومة الصحراوية عبر العصور، وكرد صارم على سياسات القوة الاستعمارية الإسبانية، وخاصة في تعاطيها الهمجي مع المطالب المشروعة لشعبنا، والتي جسدتها انتفاضة الزملة التاريخية، بقيادة الفقيد محمد سيد إبراهيم بصيري.
وسرعان ما التحمت الجماهير الصحراوية الواعية، بكل فئاتها ومكوناتها، في كل مواقعها وتواجداتها، في بوتقة الوحدة الوطنية المقدسة، تحت لواء الجبهة الشعبية، فصنعت واحدة من أرقى صور البذل والعطاء في سبيل أهداف سامية نبيلة، ورسمت لوحة استثنائية من البطولة والتحدي.
وخلال أربع وأربعين سنة من الكفاح المتواصل والنضال الدؤوب والمعاناة والتضحيات الجسام، نجح الشعب الصحراوي، بصمود أسطوري وإرادة فولاذية لا تقهر، في التصدي لأشرس المؤامرات وأخبث الدسائس وكسر شوكة وغطرسة المعتدين، وفرض وجوده وتكريس مكانته باعتباره الرقم الأول الذي لا بديل عنه ولا محيد عن تجسيد إرادته وممارسة حقوقه المشروعة في الحرية والاستقلال.
ورغم تكالب قوى الظلم والطغيان، ورغم الظروف الوطنية والجهوية والدولية القاسية والصعبة، ورغم الغزو المغربي الوحشي وسياسات الإبادة، بما في ذلك بقنابل النابالم والفوسفور الأبيض، المحرمة دولياً، وشتى طرق الاغتيال الجماعي بالدفن والحرق والرمي من الطائرات العمودية وبالرصاص وتحت التعذيب، ورغم التشريد واللجوء، ها هي الحقيقة الصحراوية اليوم ماثلة للعيان، لا رجعة ولا تردد فيها، دولة قائمة بهيئاتها ومؤسساتها وتجربتها المتميزة، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، ومكانتها الدولية وشعبها وجيشها البطل المستعد لكل الاحتمالات.
الإخوة والأخوات،
20 ماي حدث مفصلي في تاريخ الشعب الصحراوي، واندلاع أول رصاصة من أجل التحرير في هذا اليوم، جعله بامتياز اليوم الوطني لجيش التحرير الشعبي الصحراوي. هذا الجيش المغوار الذي استطاع، بإيمان راسخ ووعي عميق وشجاعة وبطولة منقطعة النظير، بإمكانيات شبه معدومة، أن يلقن جحافل المستعمرين والغزاة أروع دروس التحدي والمقاومة والتضحية والتجربة القتالية والعبقرية العسكرية التي أصبحت اليوم مثالاً متميزاً لكل جيوش العالم.
فالتهنئة والتحية إلى صانع أمجاد الشعب الصحراوي، إلى جيش التحرير الشعبي الصحراوي الذي يقف اليوم، مثلما وقف بالأمس، على أهبة الاستعداد لاستكمال رسالته الخالدة ومهمته النبيلة المقدسة ؛ تحرير الوطن واستكمال سيادة الدولة الصحراوية على كامل ترابها الوطني. وفي انتظار إنجاز هذه المهمة، فإن مقاتلي الجيش الصحراوي قد أثبتوا مراراً مدى الجاهزية لمواجهة كل المخاطر والتحديات، بما فيها سياسات دولة الاحتلال المغربي القائمة على تدفق المخدرات ودورها في دعم عصابات الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية. لقد برهن الجيش الصحراوي على قدرته على التحرك العاجل والصارم، حيثما اقتضت الضرورة، كما حدث في موقعة الكركارات، التي وجهت رسالة إلى دولة الاحتلال المغربي وإلى العالم أجمع، تعكس جدية وإصرار الشعب الصحراوي في تشبثه بحقوقه المشروعة واستعداده الدائم للدفاع عنها، مهما تطلب الأمر.
تحية إلى جماهير الشعب الصحراوي في مخيمات العزة والكرامة وفي الأراضي المحررة وفي الأرياف والجاليات والشتات التي واكبت الثورة وخلقت لها الفضاءات والمجالات ومصادر الدعم والإسناد في كافة أصقاع المعمورة. هذه الجماهير التي هبت هبة رجل واحد لدعم جيشها وتنظيمها الوطني، وتواجدت في كل مواقع الفعل والكفاح، في كل الجبهات والساحات، بعطاء وسخاء، بصمود واستماتة، وحملت مشعل حرب التحرير التي هي صانعتها وضامنها الأول.
تحية خاصة إلى جماهير شعبنا في الأرض المحتلة وجنوب المغرب والمواقع الجامعية التي تجسد اليوم بنضالاتها وتضحياتها ومقاومتها السلمية الباسلة فصولاً متجددة من معركة التحرير الوطني التي اندلعت منذ أربعة وأربعين عاماً، وتجعلها أكثر انتشاراً وحضوراً وامتداداً لكل تواجدات الجسم الصحراوي، بل وتصل بها إلى عقر دار العدو.
تحية إلى المفقودين والمعتقلين السياسيين الصحرارويين في السجون المغربية، المناضلين الذين يتقدمون اليوم انتفاضة الاستقلال المباركة، يواجهون غطرسة الاحتلال المغربي بشجاعة وثبات وإصرار. وها هم معتقلو اقديم إيزيك يتعرضون لواحدة من أفظع الممارسات الاستعمارية عبر التاريخ، من خلال سلسلة لا منتهية من المماطلات والتأجيلات والمحاكمات الصورية، العسكرية والمدنية، الفاقدة لكل شرعية، وأساليب المغالطة والتزوير والتحريف وتلفيق التهم وفبركة الشهادات والمحاضر المعدة مسبقاً والموقعة تحت التهديد والتعذيب والإكراه.
وبهذه المناسبة، فإن الشعب الصحراوي، في هذا اليوم التاريخي، ليعلن عن أصدق آيات التضامن والمؤازرة لهؤلاء الأبطال وامبارك الداودي ويحي محمد الحافظ إيعزة ولكل رفاقهم في السجون المغربية ولعائلاتهم وللجماهير التي رافقتهم إلى مقر المحاكمة الجائرة، رغم بعد المسافات والتضييق والحصار المغربي، مطالبين المجتمع الدولي بتحمل مسؤوليته لإطلاق سراحهم الفوري وغير المشروط.
كما نحيي العمل النبيل والدور المسؤول الذي يتولاه فريق الدفاع عن معتقلي اقديم إيزيك في كشف حقيقة المحاكمة الباطلة، ونعبر عن تضامننا مع المحاميتين الفرنسيتين أولفا أوليد Olfa Ouled وانجريد ميتون Ingrid Metton على اثر اعتداء عناصر الأمن المغربية عليهما، بأمر من رئيس محكمة الجور المغربية، وتنديدنا الشديد بما تعرضتا له من وحشية وهمجية، بقدر ما تعكس من فشل في بلوغ الحد الأدنى من شروط المحاكمة العادلة، بقدر ما تؤكد نية مغربية مبيتة لإتمام المؤامرة وإصدار أحكام قاسية جائرة جديدة.
الإخوة والأخوات،
إن دولة الاحتلال المغربي ترمي من وراء هذه الأساليب الترهيبية الشنيعة إلى إسكات صوت الشعب الصحراوي الصادح بالحرية والاستقلال، وتحاول عبثاً إطفاء جذوة المقاومة المتأججة في صدور أبنائه، ولكن هيهات هيهات. إن أربعاً وأربعين سنة من الكفاح أكثر من دليل قاطع ونهائي على أن لا شيء في هذا العالم سيثني الصحراويين عن المضي في معركتهم المصيرية.
بل إن سياسات التعنت والعرقلة والتهديد والاستفزاز والتصعيد والهروب إلى الأمام التي تنتهجها دولة الاحتلال المغربي لا تزيد شعبنا إلا تشبثاً بحقوقه المشروعة، وتمسكاً بأهدافه النبيلة، واستعداداً متجدداً للتضحية والعطاء حتى استكمال سيادة الجمهورية الصحراوية، دولة كل الصحراويات والصحراويين، على كامل ترابها الوطني.
أربع وأربعون سنة من الكفاح، من المقاومة والصمود برهان ساطع على فشل سياسات دولة الاحتلال المغربي الاستعمارية في الصحراء الغربية. إن رهان حكام المملكة المغربية على تعب أو ملل أو تردد الشعب الصحراوي رهان فاشل تماماً، لأنه صاحب حق وعلى حق، مؤمن بقضيته، وسيمضي في مسيرته نحو التحرير والانعتاق بكل السبل المشروعة، بما فيها الكفاح المسلح، الذي كرسته الأمم المتحدة كحق للشعوب المستعمرة لانتزاع حقوقها المغتصبة.
إن إرادتنا صادقة ورغبتنا جامحة في إحلال السلام العادل والدائم في المنطقة والعالم. إن استكمال سيادة الجمهورية الصحراوية على كامل ترابها الوطني وإقامة علاقات الأخوة والصداقة والتعاون وحسن الجوار مع كل جيرانها، وفي مقدمتهم المملكة المغربية سيخدم، دون شك، وبشكل حاسم، هذا التوجه النبيل، وسيسرع تجسيد طموحات الشعوب المغاربية في الاتحاد والتنمية والازدهار والاستقرار.
إننا ندعو الشعب المغربي الشقيق إلى العمل معنا من أجل إنجاح هذا المسعى الحضاري، ولنعمل معاَ على إحقاق العدالة والديمقراطية والشرعية الدولية، وهي مطالب بسيطة يلخصها تطبيق قرار الأمم المتحدة 1514، وتنفيذ خطة التسوية الأممية الإفريقية لسنة 1991، التي وقعها طرفا النزاع وصادق عليها مجلس الأمن الدولي، من خلال استفتاء حر ونزيه، بإشراف الأمم المتحدة، يكون فيه للشعب الصحراوي، مثل كل الشعوب والبلدان المستعمرة، كامل الحرية في ممارسة حقه في تقرير المصير والاستقلال.
الإخوة والأخوات،
في مثل هذا اليوم نقف أيضاً وقفة شكر وعرفان وتقدير إلى كل أنصار كفاح الشعب الصحراوي العادل، أنصار الشرعية والسلام، من أشقاء وأصدقاء في كل أنحاء العالم. إلى الجزائر الشقيقة التي وقفت، في انسجام مع مبادئها وميثاق وقرارات الشرعية الدولية، بدون وتحفظ ولا تردد مع كفاح الشعب الصحراوي من أجل التخلص من كل مظاهر الاستعمار في بلاده. إنها الجزائر التي تتبوأ اليوم، بقيادة فخامة الرئيس المجاهد عبد العزيز بوتفليقة، مكانتها الجهوية والقارية والدولية المستحقة، والتي نتمنى لها كل النجاح والازدهار والرخاء، وهي تواجه بحنكة واقتدار التحديات والمخاطر المحدقة بالمنطقة، بما فيها الناجمة عن السياسات العدوانية للمملكة المغربية .
ولا يفوتنا في هذا المقام أن نحيي الجمهورية الموريتانية، هذا البلد الشقيق الذي تربطنا به علاقات راسخة من الأخوة والجوار والعلاقات المتجذرة والمصير المشترك.
كما نحيي بحراراة إخواننا في القارة الإفريقية، ممثلين في منظمتنا القارية الاتحاد الإفريقي التي سجلت بتصميم راسخ قضية الصحراء الغربية كقضية إفريقية بامتياز، رغم الرفض المغربي. الاتحاد الإفريقي، المتشبث بموقفه، يتعرض اليوم لهجوم محموم من دولة الاحتلال المغربي والتي تسعى بكل السبل إلى ضرب وحدته وتماسكه وتشتيت صفوفه والمساس بمصداقيته ومكانته وكلمته المسموعة في العالم. إنه رهان مغربي فاشل آخر، فالأفارقة سوف يكونون في الموعد وسيقفون بالمرصاد لمناورات ودسائس دولة مارقة على الشرعية الدولية، تنظر بعين الاحتقار والاستهتار إلى دول وشعوب أفريقيا ومنظمتها القارية.
وفي وقت نحيي فيه الحركة التضامنية في أوروبا والعالم، وننوه بتضامن الشعوب الإسبانية، نشدد على المسؤولية القانونية والتاريخية والأخلاقية للدولة الإسبانية تجاه الشعب الصحراوي، والتي لا يمكن أن تزول إلا يتمكنه من ممارسة حقه في في تقرير المصير والاستقلال.
الإخوة والأخوات،
مع مرور أربع وأربعين سنة على اندلاع كفاح شعبنا التحرري، نجدد مطالبتنا للأمم المتحدة بتحمل مسؤوليتها الكاملة في استكمال تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية، آخر مستعمرة في إفريقيا. إن جبهة البوليساريو لتعيد التأكيد بأنها على استعداد للتعاون الكامل مع الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي من أجل التعجيل باستكمال مأمورية المينورسو، وتنفيذ مقتضيات قرار مجلس الأمن الأخير، وخاصة فيما يتعلق باسنئناف المسار التفاوضي ومعالجة كل المسائل العالقة الناجمة عن الخرق المغربي السافر لوقف إطلاق النار والاتفاقية العسكرية رقم 1 في منطقة الكركرات.
لقد حان الوقت ليضع المجتمع الدولي نهاية عادلة وعاجلة لمأساة شعب مضطهد ومظلوم، وإنهاء أربعة عقود من العدوان والتوسع والتعنت المغربي، والتعجيل بتنظيم استفتاء تقرير المصير للشعب الصحراوي.
وفي هذا السياق نذكر بالقرار التاريخي لمحكمة العدل الأوروبية في ديسمبر 2016، الذي دعم ترسانة القرارات الدولية الكثيرة ذات الصلة، وفي مقدمتها قرارات الأمم المتحدة نفسها وقرار محكمة العدل الدولية، والتي تؤكد في المجمل بأن الصحراء الغربية والمملكة المغربية إقليمان مختلفان ومنفصلان، وبأن الوجود المغربي في الصحراء الغربية مجرد احتلال لا شرعي، وبأنه لا بد من احترام إرادة الشعب الصحراوي، عبر ممثله الشرعي والوحيد، جبهة البوليساريو، وبالتالي الوقف الفوري لعمليات نهب الثروات الطبيعية الصحراوية والامتناع عن أي نشاط أو تعاون مع القوة المغربية المحتلة يروم استغلال هذه الثروات دون استشارته.
إن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة من طرف دولة الاحتلال المغربي في حق المدنيين الصحراويين العزل، وأجواء الحصار الخانق المفروض على الأراضي الصحراوية المتحلة والاعتقالات والمحاكمات الصورية تتطلب التعجيل باتخاذ خطوات عملية لتمكين بعثة المينورسو من التمتع بكافة صلاحيات نظيراتها في العالم، وفي مقدمتها حماية حقوق الإنسان في الصحراء الغربية ومراقبتها والتقرير عنها.
الإخوة والأخوات،
بعد أربعة وأربعين عاماً من الكفاح البطولي، الشعب الصحراوي في موقع قوة، أكثر إجماعاً على أهدافه وتمسكاً بها، بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، والمكاسب والانجازات تتوالى، على مختلف الصعد والواجهات. وها نحن نقف على أعتاب مرحلة جديدة حافلة بالتحديات، تتطلب من الشعب الصحرواي، في كل مواقع تواجده، مزيداً من رص الصفوف وشحذ الهمم والتشمير عن سواعد الجد والإبداع والتنويع في أساليب نضاله العادل ومقاومته المشروعة، وتعزيز مكاسبه وصيانتها، والتحلي بروح الجاهزية والاستعداد لمواجهة دسائس الغزاة والتحديات التي أفرزتها التطورات المتلاحقة في منطقتنا والعالم.
هذه الأجيال المتلاحقة التي رصعت كفاح الشعب الصحراوي بجواهر البطولة والتحدي والاستمرارية والتواصل إنما هي رسالة صريحة وقاطعة بأنه لا بديل عن الانتصار ولا مناص من استكمال التحرير وبناء الدولة الصحراوية المستقلة على كامل ترابها الوطني.
حرب التحرير تضمنها الجماهير ـ عاش الشعب الصحراوي ـ عاش جيش التحرير الشعبي الصحراوي ـ عاشت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ـ عاشت الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ـ قوة، تصيم وإرادة لفرض الاستقلال والسيادة ـ والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. (واص)
090/105.