برلين (المانيا)، 08 يونيو 2024 (واص) - نشر الموقع الإخباري الألماني "جيرمان فورين بوليسي" مقالا مطولا بعنوان "بقايا استعمار القرن الحادي والعشرين". تناول فيه تاريخ الاستعمار في الصحراء الغربية وكذا مختلف جوانب الاحتلال العسكري المغربي للإقليم، مثلما تناول المقال الخطط المغربية الرامية إلى شرعنة التواجد العسكري اللاشرعي المغربي بالاقليم عبر توسل الاعترافات الدولية بالسيادة المزعومة على الأراضي الصحراوية المحتلة من خلال فتح قنصليات أجنبية وتوريط شركات غربية. او عبر توريط بعض الشركات الغربية والألمانية بما يطيل من أمد احتلال الرباط للأراضي الصحراوية.
وأبرز الموقع المتخصص في متابعة اهتمامات السياسة الخارجية لألمانيا أن استمرار احتلال الصحراء الغربية يعكس عمق المأزق الذي يوجد فيه النظام الدولي القائم على القواعد والذي تهيمن عليه القوى الغربية المسببة لظاهرة الاستعمار والمسؤولة عن الفشل في القطع مع تلك الظاهرة حتى في القرن الحادي والعشرين.
وقال الموقع إنه تم إعلان الصحراء الغربية كمستعمرة في مؤتمر برلين 1884/85، الذي تقاسمت فيه القوى الأوروبية أجزاء كبيرة من القارة الأفريقية فيما بينها بشكل تعسفي. حيث مُنحت الصحراء الغربية لإسبانيا، التي كانت قد خسرت بالفعل مستعمراتها في أمريكا اللاتينية، مثلما فقدت لاحقا السيطرة على كوبا والفلبين، وكانت تبحث حينها عن بديل استعماري في أفريقيا، حيث كانت حتى ذلك الحين تسيطر بشكل رئيسي على غينيا الإسبانية (اليوم: غينيا الاستوائية)، وفي ظل ديكتاتورية فرانسيسكو فرانكو، وسّعت مدريد من سيطرتها على الصحراء الغربية، وسعت إلى الحفاظ عليها حتى عندما بدأت عملية تصفية الإرث الاستعمارية وتحرر المزيد من الدول الأفريقية في النهاية. وفي ستينيات القرن الماضي، بدأت إسبانيا في تطوير مناجم الفوسفات الضخمة في بوكراع، والتي تم اكتشافها في عام 1947، مما زاد من رغبتها في ترسيخ حكمها الاستعماري على الصحراء الغربية على المدى الطويل.
وأضاف الموقع أنه في خمسينيات القرن العشرين، ألهم الكفاح التحرري للشعوب في كل من الجزائر والمغرب وغيرهما، القوى المناهضة للاستعمار في الصحراء الغربية وتم تنظيم المقاومة المسلحة ضد القوة الاستعمارية الإسبانية هناك. وتعززت تطلعات الشعب الصحراوي لنيل الاستقلال بعد أن أدرجت الأمم المتحدة الصحراء الغربية على قائمة الأقاليم غير المحكومة ذاتيا في عام 1963،وهي قائمة بالأراضي والأقاليم التي يجب تصفية الاستعمار منها. وفي مطلع السبعينيات، اندلعت المقاومة المسلحة ضد إسبانيا مرة أخرى في الصحراء الغربية، وفي 10 ماي 1973، تأسست جبهة البوليساريو التي لا تزال ترفع راية النضال حتى اليوم من أجل إنهاء استعمار البلاد.
إلا أنه عندما أُرغمت إسبانيا على الانسحاب من الصحراء الغربية في نهاية عام 1975، طالب المغرب بالإقليم كجزء من مخطط ”المغرب الكبير“ التوسعي، الحالم بضم أجزاء من الجزائر ومالي وموريتانيا. حيث سيطرت القوات المغربية الغازية على أجزاء كبيرة من البلاد وكرست بقاءها بفضل جدار رملي مليء بالألغام والمعدات العسكرية الأخرى.
وفي عام 1991، نجحت الأمم المتحدة في التوسط لوقف إطلاق النار بين الجانبين، والذي نص على إجراء استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي. وأنشئت بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) للإشراف على مسار الاستفتاء الذي كان من المقرر إجراؤه في ذلك الوقت، غير أنه لم ير النور بعد. ويعود ذلك لعدة أسباب ليس أقلها أن المغرب يطالب بحق التصويت للعديد من المستوطنين المغاربة الذين هاجروا إلى الإقليم من أجل منع الأغلبية المؤيدة للاستقلال. مثلما يشكل خرق الرباط لاتفاق وقف إطلاق النار احدى تلك الأسباب.
ويورد الموقع رغبة الرباط الجامحة في تحصيل الاعتراف الدولي لها بتواجدها العسكري غير المشروع في الاقليم، حيث تسعى منذ فترة طويلة للحصول على اعتراف دولي بسيطرتها على الصحراء الغربية، على الرغم من أن محكمة العدل الدولية في لاهاي أعلنت عدم قبول ذلك في 16 أكتوبر 1975. إلا أن التقدم الذي تمكنت الرباط من تحقيقه في هذا الصدد كان متوسطاً. فمن أصل 84 دولة عضو في الأمم المتحدة، جمدت القليل من الدول اعترافها بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية أو علقته. ولم يعترف رسميًا للمغرب بحكمه على الصحراء الغربية سوى الرئيس الأمريكي السابق ترامب في 10 ديسمبر 2020 في واحد من آخر إجراءات إدارته، وسارت على خطاه إسرائيل في 17 يوليو 2023. مثلما يحاول المغرب جاهدا إقناع بعض الدول بفتح قنصليات لها في الداخلة أو العيون، كبرى مدن الصحراء الغربية الواقعة تحت الاحتلال المغربي. مثلما تسعى الرباط إلى توريط شركات من دول ثالثة في عمليات النهب الاقتصادي للصحراء الغربية المحتلة. ويحدث هذا على وجه الخصوص في سياق استخراج الفوسفات وتطوير الطاقات المتجددة.
ويورد الموقع أنه بمشاركة العديد من الشركات الألمانية، يقوم المغرب باستخراج الفوسفات منذ عقود من منجم منطقة بوكراع -وقد كانت القوة الاستعمارية الإسبانية بدأت باستخراج هذا المعدن الخام الضروري لإنتاج الأسمدة الزراعية- فعلى سبيل المثال، قامت شركة سيمنس غاميسا بتوريد 22 توربيناً هوائياً لمزرعة الرياح في افيم الواد، والتي تنتج جل الطاقة اللازمة لاستخراج الفوسفات. وقد نقلت المنظمة غير الحكومية (Western Sahara Resource Watch WSRW)، ان شركة سيمنس جاميسا قد مددت في عام 2018 عقد صيانة مزرعة الرياح تلك لمدة 15 عامًا أخرى. ووفقًا لذات المنظمة، فإن شركة "ThyssenKrupp" قامت بدورها في عام 2021 بإصلاح معدات تعدين الفوسفات في بوكراع؛ وترفض الشركة نفيها القيام بمزاولة أي أنشطة مستقبلية هناك. من ناحية أخرى، فقد وسعت شركة "Heidelberg Materials". المعروفة سابقا باسم"HeidelbergCement" على نطاق واسع إنتاجها من الأسمنت في الصحراء الغربية المحتلة، وقد يكون ذلك على الأرجح لصالح توسيع ميناء تصدير صخور الفوسفات والأسمدة.
مثلما تساهم شركة سيمنس غاميسا أيضاً في مشاريع أخرى لطاقة الرياح في الصحراء الغربية المحتلة. ففي عام 2012، حصل تجمع شركات تقوده مجموعة سيمنس، والذي يضم أيضاً شركة ناريفا للطاقة، المملوكة للعائلة الملكية المغربية، على عقد لبناء خمس مزارع رياح، بما في ذلك ثلاث مزارع في المغرب واثنتان في الصحراء الغربية. ثم قامت سيمنس غاميسا ببناء مصنع لتوربينات الرياح في طنجة، على مضيق جبل طارق في شمال المغرب، والذي بدأ تشغيله في عام 2017. مثلما تقوم تلك الشركة بتهيئة وتجهيز مزارع الرياح في الصحراء الغربية. فبالإضافة إلى مزرعة الرياح في افيم الواد، قامت سيمنس غاميسا أيضًا بتزويد مزرعة بوجدور وأفطيسات للرياح ومحطة أصغر تزود مصنع شركة
Heidelberg Materials لطحن الأسمنت. وكما ذكرت منظمة WSRW، فقد ذهبت سيمنس غاميسا إلى حد الإشارة صراحة إلى الصحراء الغربية كجزء من المغرب في عام 2020. وهذا يتعارض بشكل صارخ مع حكم محكمة العدل الدولية الصادر في 16 أكتوبر الأول 1975، وبذلك السلوك تضع الشركة نفسها فوق القانون الدولي.
ويخلص الموقع الإخباري الألماني للقول إنه بينما تستميت الدول الغربية، بما فيها ألمانيا، لضمان سلامة النظام العالمي القائم الذي تهيمن عليه تحت راية ”العالم الحر“ المفترض، لا تزال هناك دول عدة مستعمَرة ضمن هذا النظام العالمي الذي لا يزال في حالة استعباد علني - وهي دول معظمها مستعمَرة من قبل الدول الغربية. فبالإضافة إلى الصحراء الغربية، تشمل هذه المستعمرات كاليدونيا الجديدة وعدد من المستعمرات الأخرى. (واص)