Skip to main content

رسالة رئيس الجمهورية محمد عبد العزيز إلى ملك المملكة العربية السعودية

Submitted on

بئر لحلو (المناطق المحررة)، 31 ماي 2012 (واص)-  نص الرسالة التي بعث رئيس الجمهورية، الأمين العام لجبهة البوليساريو، السيد محمد عبد العزيز، إلى جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية الشقيقة، و نشرتها جريدة الخبر الجزائرية في عددها اليوم الخميس:

 

"بسم الله  الرحمن الرحيم

 

(وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ×  إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، صدق الله العظيم  (سورة الحجرات:   الآيات 9 و10)

 

الأخ الكبير، خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية الشقيقة

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد

 

 أمام حالة الانسداد الكبير في مسار تسوية النزاع الدائرة رحاه في الصحراء الغربية منذ سنة 1975م بين المملكة المغربية والشعب الصحراوي، عبر ممثله الشرعي والوحيد، الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو)، وبالنظر إلى بوادر الانزلاق التي ما فتئت تطل برأسها من بين ثنايا الإحباط والحنق المتولدين لدى الشعب الصحراوي بسبب تراجع المغرب عن التزاماته الدولية، خاصة ما يتعلق منها باستفتاء تقرير المصير، وإمعانه في مواصلة قمع المدنيين في المدن الصحراوية المحتلة، قررت أن أخاطب جلالتكم، وأنتم الرجل الراعي لقبلة المسلمين، المؤتمن على بيت الله والعارف، حق المعرفة، بأجر إصلاح ذات البين في ديننا الحنيف، والمدرك كامل الإدراك لمقصد قول خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصائم القائم، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين).

 

أخاطبكم لألتمس من جلالتكم التدخل لدى جلالة الملك محمد السادس بالكف عن إطالة أمد النزاع ومعاناة الشعبين الصحراوي والمغربي، والشروع الجاد في التفاوض معنا على أساس الميثاق الذي قطعه والده المرحوم الحسن الثاني على نفسه أمام الله والعالم ووقّعنا عليه معا، بالاحتكام لإرادة الشعب الصحراوي في اختيار مستقبله بكل حرية عن طريق استفتاء حر، ديمقراطي ونزيه، كما ينص على ذلك ميثاق وقرارات الأمم المتحدة. 

 

جلالة الملك

 

لقد خاض الشعب الصحراوي، كباقي شعوب المنطقة، نضالا وطنيا ضد الاستعمار الإسباني منذ منتصف الستينيات تحت قيادة ''حركة تحرير الصحراء''، أفضى إلى ارتكاب القوات الاستعمارية مجزرة الزملة التاريخية (يونيو 1970م) بمدينة العيون، عاصمة الصحراء الغربية، وهو الحدث الفيصل الذي بدأ معه العد العكسي لنهاية قرن مظلم من التواجد الأجنبي، ساهم في تسريع وتيرته ميلاد الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ـ بوليساريو (مايو 1973م)، والتي قادت حرب تحرير وطنية شاملة أجبرت إسبانيا، بعد سنوات من الممانعة، على إعلان قبولها القرارات المتتالية للجمعية العامة للأمم المتحدة واستعدادها لتنظيم استفتاء تقرير المصير في الإقليم خلال النصف الثاني من سنة 1975م.

 

وقبل أن تقدم على خوض مغامرتها المفاجئة ووضع يدها في يد المستعمر الإسباني (نوفمبر 1975م)، كانت الحكومة المغربية تعبّر في المحافل الدولية عن مواقف مؤيدة لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال. فالمندوب الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة السيد بوطالب، كان قد أكد أمام الدورة الـ25 للجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 12 أكتوبر 1970 ''دعم بلاده، رفقة دول الجوار، لحق شعب الصحراء الغربية في تقرير المصير''. وهو الموقف نفسه، الذي أكده، ثلاث سنوات بعد ذلك، ممثل الرباط السيد بنهيمة، يوم 03 أكتوبر 1973 أمام الدورة الـ28 للجمعية العامة، مضيفا ''أن المغرب يعلن دعمه تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية من خلال تقرير المصير''. وقبل ذلك، خلال الدورة  الـ21 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وعلى لسان وزير خارجية المغرب السيد محمد الشرقاوي، أعلن المغرب يوم 13 أكتوبر 1966 أنه ''يدعم استقلال الصحراء الغربية من خلال وضع مستقبلها في أيدي أبنائها وتركهم يقررون، بكل حرية، مصيرهم بأنفسهم''.

 

ومهما كان ضغط المعطيات الظرفية الداخلية بالمغرب منتصف السبعينيات، والتي تكون قد دفعت بالأشقاء إلى الانقلاب على تلك المواقف المشرفة والشروع في حملة إبادة بحق شعب صغير يقاسمهم العروبة والإسلام، فإن قرار اجتياح الصحراء الغربية، ينم عن قصر نظر واستصغار لإرادة الشعوب وحقوقها غير القابلة للتصرف في العيش بحرية وكرامة.

 

لقد أثبت التاريخ، ويثبت منذ اندلاع النزاع، أن الشعب الصحراوي، مهما كان صغيرا، ظل كباقي الشعوب المكافحة، كبيرا بعدالة قضيته.

 

فالمغرب فشل في النهاية في جهوده الرامية لتحريف طبيعة النزاع ومحاولاته تسويق أطروحات مغالطة عن الوقائع على الأرض، ليبقى حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير أسمى من أن يُتجاوَز ويبقى الصحراويون مستعدين، أكثر من أي وقت مضى، لمواصلة مقاومتهم الوطنية حتى تمكينهم من حقهم المشروع في الحرية والاستقلال.

 

جلالة الملك

 

ونحن نتوجه إليكم الآن، أملا في نزوعكم المتأصل في السعي للخير وتطلعكم الدائم للنصح به، لا يفوتني أن أثير كريم انتباهكم إلى أن مسألة الحقوق التاريخية التي تشكل حجة المغرب الوحيدة المعلنة لاستمرار احتلاله للصحراء الغربية، كان المجتمع الدولي قد تولى ضحدها أسبوعين قبل الغزو من خلال الرأي الاستشاري الشهير لمحكمة العدل الدولية بلاهاي.

 

فبناء على طلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ29 وقرارها رقم 3292  (ديسمبر 1974)، أصدرت محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري بتاريخ 16 أكتوبر 1975، والذي يؤكد، بما لا يدع أي مجال للتأويل، في فقرة الحكم النهائية رقم 162 ''إن العناصر والمعلومات المتوفرة لدى المحكمة، لا تثبت وجود أي علاقة سيادة بين إقليم الصحراء الغربية من جهة، والمملكة المغربية والمجموع الموريتاني من جهة أخرى. وعليه فإن المحكمة لم تر أي روابط قانونية من شأنها التأثير على تطبيق القرار 1514 للجمعية العامة للأمم المتحدة، فيما يتعلق بتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية، خاصة تطبيق مبدأ تقرير المصير عن طريق التعبير الحر والأصلي لسكان الإقليم عن إرادتهم''.

 

أكثر من ذلك، وبموجب قرار الجمعية العامة نفسه، تم إيفاد بعثة تقصي حقائق أممية لمعاينة الأمور على أرض الواقع في الإقليم ودول الجوار ومعرفة آراء الصحراويين، وأصدرت تقريرها النهائي بتاريخ 12 أكتوبر 1975،  مؤكدة ''إن الغالبية العظمى من السكان الصحراويين، أو على الأقل ممن التقتهم البعثة، قد عبّروا عن رفضهم التام للمطالب المغربية والموريتانية، وأعربوا عن دعمهم لأهداف جبهة البوليساريو في الاستقلال''.

 

جلالة الملك

 

كي لا ينطفئ قنديل الأمل في نهاية النفق، ووعياً منا بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقنا تجاه مستقبل الشعبين الصحراوي والمغربي، قدمنا تنازلات كثيرة، لكن التنازل الوحيد الذي لا يمكن أن يُطلب منا هو التخلي عن النضال من أجل فرض احترام حق الشعب الصحراوي في استفتاء لتقرير المصير. فالقانون الدولي، الذي يشكّل ضمانة السلم العالمي، يقر بذلك الحق، ويمنح الشعب الصحراوي والشعب الصحراوي وحده، حق اتخاذ القرار فيما يخص الوضع النهائي لإقليم الصحراء الغربية، إن كان بالاستقلال، أو بالانضمام للمغرب أو بأي صيغة أخرى. كما أن مبدأ الممارسة الديمقراطية وروح العصر يقضيان بالاحتكام لصناديق الاقتراع. وقبل هذا وبعده، فالإسلام يحرم مصادرة مال المسلم، أرضه في هذه الحالة، دون موافقته، عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه).

 

جلالة الملك

 

إن مبادرة المغرب الأُحادية الجانب، والمتعلقة بمنح الإقليم ''حكما ذاتيا'' تحت السيادة المغربية كصيغة نهائية لحل النزاع، لا تعد، بأي شكل من الأشكال، حلا وسطا ولا تنازلا من طرف المغرب، ولن تساهم في دفع الأمور إلى الأمام بسبب جملة من الاعتبارات أهمها تناقضها المبدئي مع الطبيعة القانونية للنزاع والإقليم، الذي يُعتبر إقليما غير محكوم ذاتيا، بصدد عملية تصفية استعمار غير مكتملة.  فالمغرب، ينطلق في مقاربته تلك من افتراض خاطئ حول امتلاكه السيادة على الصحراء الغربية وهو ما لا تقره الأمم المتحدة، ولا يعترف به أي بلد في العالم. فالنزاع، في جوهره، هو نزاع حول السيادة على الإقليم، واستفتاء الشعب الصحراوي، بالإضافة إلى كونه الطريقة القانونية الوحيدة، هو أيضا الحل الوسط الوحيد بين موقف الطرفين المتنازعين. فالصحراويون، بمعزل عن موقف المغرب أو جبهة البوليساريو، سيقومون بالتصويت لاتخاذ القرار بشأن السيادة بكل حرية.

 

إننا، في البوليساريو، مازلنا نمتلك الشجاعة، نفس الشجاعة التي تحلى بها الراحل الحسن الثاني حين صرح بلندن (يوليوز 1987م) أنه ''سيكون أول من يفتح سفارة في مدينة العيون، في حال ما إذا صوّت الصحراويون للاستقلال''، لنؤكد لجلالتكم، من جديد، استعدادنا لقبول أي نتيجة يتمخض عنها استفتاء تقرير المصير، بما في ذلك الانضمام للمغرب والتسليم بسيادته على الإقليم، إذا كانت تلك هي إرادة الشعب الصحراوي. لكن الشيء الذي لا نستطيع قبوله، ولا يقبله أي عاقل، هو تقديم خيار وحيد أمام الصحراويين لفرضه عليهم، وفي الوقت ذاته، ادعاء تقديم ''حل وسط''.

 

الأخطر، أن المغرب وبالموازاة مع استمرار رفضه استفتاء تقرير المصير، وبغرض تكميم أفواه الصحراويين، يلجأ إلى القيام بانتهاكات ممنهجة وممارسة القمع اليومي وارتكاب الفظاعات بحق المدنيين الصحراويين الذين انخرطوا، منذ مايو ,2005 في انتفاضة سلمية للمطالبة باحترام المغرب لتعهداته الدولية والسماح بتنظيم الاستفتاء.

 

تلك الانتهاكات، ليست ادعاءات غير مؤسسة، وإنما حقائق تم توثيقها من طرف مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وغالبية المنظمات الحقوقية الدولية التي تصدر النداءات اليومية المنددة بالقمع المغربي في الصحراء الغربية وتطالب بضرورة توفير حماية دولية للمدنيين الصحراويين. بيد أن المغرب، ومثلما يرفض الاستفتاء لاعتقاده يقينا أن الصحراويين سيصوتون لخيار الاستقلال، فهو أيضا يرفض إعطاء بعثة الأمم المتحدة   ـ مينورسو ـ صلاحية حماية ومراقبة حقوق الإنسان للتحقق من الانتهاكات من عدمها على أرض الواقع. من ناحيتنا، فقد رحبنا، منذ البداية، بمنح بعثة الأمم المتحدة تلك الصلاحية، وأعربنا رسميا عن استعدادنا تسهيل مهمتها دون قيد أو شرط.

 

إن اعتراض المغرب على مراقبة حقوق الإنسان يعتبر، في حد ذاته، موقفا كافيا لإدانته، كما أن استمرار القمع داخل المدن المحتلة يجعل الهدنة الحالية أكثر هشاشة، ويُبقي النزاع مفتوحا على كافة الاحتمالات؛ ألم نكن قاب قوسين أو أدنى من حصول الانهيار (نوفمبر 2010) بعد حادثة التفكيك الدموي لمخيم ''أكديم ايزيك'' السلمي، وما رافقها من قمع وقتل واغتصاب واعتقالات تعسفية طالت عشرات الشبان الصحراويين، مازال 23 معتقلا منهم يقبعون داخل السجون المغربية إلى يومنا هذا؟

 

ومن المؤسف أن هذا التعنت من طرف الحكومة المغربية يطال بتداعياته الخطيرة عشرات الآلاف من اللاجئين الصحراويين الذين شردهم الاجتياح العسكري المغربي لبلادهم، ليعيشوا في ظل ظروف غاية في القساوة، على مدار أكثر من 35 سنة، في مخيمات للاجئين قرب الحدود الصحراوية الجزائرية. إن هؤلاء المسلمين المظلومين المنكوبين، والذين لا ذنب لهم سوى المطالبة بحقوق عادلة ومشروعة، في حاجة ماسة إلى التفاتة إنسانية إسلامية كريمة من جلالتكم ومن بلدكم المملكة العربية السعودية لمواجهة صعوبات اقتصادية واجتماعية متزايدة.

 

جلالة الملك

 

بالرغم من كل ما سبق، فالشك لا يساورنا أبدا في أن فرصة السلام لا تزال مواتية إذا ما توفر الحد الأدنى من الإرادة السياسية لدى الطرف المغربي للوصول إلى حل عادل ونهائي للنزاع وتضميد هذا الجرح النازف منذ سبع وثلاثين سنة، والذي يؤجل معانقة شعوب المنطقة لمستقبلها المشرق في التعاضد والتآزر على أساس من الاعتراف والاحترام المتبادل.

 

إننا نخاطبكم باسم شعب مسلم مقهور، عاني من الظلم والاضطهاد، مع الأسف الشديد، على يد دولة مسلمة شقيقة وجارة، وظلم ذوي القربى أشد مضاضة، لمجرد تشبثه بحق يقره الإسلام وكل الشرائع السماوية والمواثيق والقوانين الدولية.

 

لقد كان لأخيكم المرحوم الملك فهد بن عبد العزيز دور كبير في إقناع الملك المرحوم الحسن الثاني بالإنصات لنداءات المجتمع الدولي وقبول استفتاء تقرير المصير، واليوم، نتوجه إليكم بما لكم من حنكة وصدق نية وسلطة معنوية للتدخل لدى جلالة الملك محمد السادس، مقصدكم في ذلك قول المولى عز وجل: (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (سورة هود: الآية 88) من أجل التعاون الصادق والجاد معنا ومع الأمم المتحدة لطي صفحة هذا النزاع، الذي لم يكن ليعمّر طويلا، لو سُمح للصحراويين بيوم واحد من الديمقراطية لتقرير مصيرهم واختيار مستقبلهم بكل حرية.

 

وكما قال الإمام الأوزاعي: ''ما من خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة إصلاح ذات البين''.

 

وتقبلوا، جلالة الملك وخادم الحرمين الشريفين، أسمى آيات المودة والاحترام.

 

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

 

بئر لحلو في 06 رجب 1433 هـ،

 

الموافق لـ 27 ماي 2012م

 

أخوكم محمد عبد العزيز

 

الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب  بوليساريو

 

رئيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية (واص)

 

062\090