ولاية الداخلة 09 يوليو 2016 (واص) – أكد رئيس الجمهورية ، الأمين العام لجبهة البوليساريو السيد إبراهيم غالي أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن مطالبان بممارسة الضغط على دولة الاحتلال المغربي التي ظلت على مدار 25 سنة تعرقل جهود التسوية بطريقة متعمدة، وتمعن في التعنت، بما يستلزم من مجلس الأمن الدولي تحمل كامل المسؤولية.
نص الرسالة :
بسم الله الرحمن الرحيم
المؤتمرات والمؤتمرون،
الضيوف الكرام،
الحضور الكريم
ها نحن نختتم أشغال مؤتمر الشهيد محمد عبد العزيز الذي، وإن كان استثنائياً من حيث دواعي وتوقيت انعقاده، يشكل محطة نضالية جديدة في مسيرة الكفاح الوطني الذي يخوضه الشعب الصحراوي من أجل الحرية والاستقلال.
واليوم ونحن نقبل على انتهاء فترة الحداد على روح الشهيد محمد عبد العزيز، فإننا نستحضر مآثر قائد كبير، سيقترن اسمه إلى الأبد، ليس فقط بتاريخ الشعب الصحراوي وكامل المنطقة، ولكن بتاريخ كفاحات كل الشعوب التواقة للحرية والانعتاق، وتاريخ المقاومة المشروعة المستميتة على الحق في كل العصور والأزمان.
لا ريب أننا محزونون ومتأثرون لأن فقدان هذا الرمز الخالد قد ترك فراغاً جلياً فينا، نحن رفاق الدرب الذين عشنا معه البدايات الصعبة وظروف الانطلاق والتكوين والبناء في فضاء قاسٍ لا يرحم، عاثت فيه أيادي الاستعمار فساداً وخراباً وتخلفاً وجهلاً.
لقد فقد الشعب الصحراوي قائداً شجاعاً، يقتحم المنايا بلا تردد، يقود المعارك بذكاء وعبقرية، يواجه أعتى المواقف وأكثرها تعقيداً بهدوء ورزانة، يعالج القضايا بحكمة وتبصر، لا يساوم على المصلحة الوطنية، ولا يشك لحظة في النصر الحتمي، تنفتح أمامه الآفاق واسعة، لما يتمتع به من بعد نظر وتفكير استراتيجي.
لقد رحل الرئيس الشهيد محمد عبد العزيز إلى دار المقام، ولكنه ترك شعباً متحداً، واعياً ومدركاً للتحديات والمخاطر، للتهديدات والدسائس والمؤامرت. لقد رحل، ولكنه ترك الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب وقد طــبـَـقـَــتْ شهرتُها الآفاق كشخصيةً قانونية دولية، ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الصحراوي. لقد رحل ولكنه ترك جيشاً مؤمناً، منظماً وقوياً، يزداد تعداداً وتدريباً وتكويناً وشباباً، يحسب له الحساب في كامل المنطقة، وعلى استعداد دائم لمواجهة كل الاحتمالات. لقد رحل ولكنه ترك دولة قائمة بمؤسساتها وهيئاتها وبنياتها التنظيمية وسلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية وسياساتها واستراتيجياتها وبرامجها في جميع المجالات، السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
لقد رحل الشهيد محمد عبد العزيز ولكنه ترك انتفاضة الاستقلال كجبهة متقدمة في معركتنا الوطنية، تفعل فعلها المقاوم الشرس في العدو الغاشم، تؤطر وتوحد جموع الجماهير الصحراوية في كامل التراب الوطني المحتل وجنوب المغرب والمواقع الجامعية داخل المغرب وغيرها.
إنها مجرد نفحات قليلة من مسيرة طويلة حافلة بالمكاسب والإنجازات، قادها الرئيس الشهيد محمد عبد العزيز على مدار أربعين عاماً، سار فيها على درب من سبقوه من شهداء، وسطرها أبناء وبنات الشعب الصحراوي بمداد المجد والفخر والإباء.
الأخوات والإخوة،
إن وقوفي اليوم بين أيديكم ليعد موقفاً في غاية الصعوبة. وإذ أعبر عن الشكر على الثقة التي منحتموني إياها لتولي هذه المسؤولية، أقول بأنه لولا التشبث بالمنطلقات التي من أجلها جاءت الثورة واندلع الكفاح المسلح لكان الإعفاء من المسؤولية طلباً شخصياً، طبيعياً ومقبولاً. لكن القيم والمبادئ التي حكمت تأسيس الجبهة أو تكوين المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء تجعلنا اليوم نلتزم بإرادة الجماهير لمواصلة التضحية والعطاء حتى الرمق الأخير، وخير مثال لنا قادة عظماء، من أمثال محمد سيد إبراهيم بصيري، والولي مصطفى السيد، ومحمد عبد العزيز.
لا أحد سيعوض الفراغ الذي خلفه الرئيس الشهيد محمد عبد العزيز، ولكن المسؤولية المشتركة بيننا جميعاً، والأمانة الثقيلة التي تركها بين أيدينا والوفاء لعهده ولكل شهدائنا البررة، يتطلب منا اليوم أن نعمل جميعاً، اليد في اليد، في وحدة وإجماع، في انسجام وتعاون، بإخلاص وتفاني، من أجل رفع التحدي لمواصلة المسيرة حتى بلوغ هدفها الأسمى في الحرية والاستقلال. فالأمين العام والرئيس الجديد سيكون بحاجة ماسة ودائمة لإسهام الجميع ونصحه ومؤازرته، سواء على مستوى الهيئات القيادية في الجبهة والدولة، وفي مقدمتها الأمانة الوطنية، أو على مستوى مختلف امتدادات التنظيم، وفي كل المواقع.
الإخوة والأخوات،
لقد حدد لنا المؤتمر الرابع عشر للجبهة جملة من الأولويات التي تؤطر اليوم البرامج والخطط والسياسات خلال السنوات المقبلة. ومن هنا، فإننا يجب أن ننطلق من مؤتمرنا هذا محملين بجملة من الالتزامات التي يجب العمل على الوفاء بها على أحسن ما يكون، مستحضرين بقوة مخاطر وتحديات المرحلة الراهنة.
نحن مطالبون بتحقيق تحول نوعي على مستوى تقوية البناء التنظيمي السياسي ليحقق تأطيراً شاملاً وحضوراً ميدانياً فاعلاً لكل مكونات الجسم الوطني، ويكون قادراً على استيعاب كل الطاقات والأجيال وجعلها في مستوى التحديات والتطورات التي تشهدها القضية الوطنية، على جميع الأصعدة والمجالات.
يجب أن نواصل ونكثف الجهود الرامية إلى تقوية جيش التحرير الشعبي الصحراوي البطل، وتنويع برامج التكوين والتدريب العسكرية المتخصصة، ودعمه المستمر بالطاقة الشابة والنوعية وجعله في أقصى درجات الجاهزية والاستعداد لكل الظروف والاحتمالات، بما فيها الكفاح المسلح.
وتبقى انتفاضة الاستقلال عنصراً محورياً في المواجهة الحالية مع دولة الاحتلال المغربي، والجميع مطالب بتوفير الدعم والمؤازرة لمناضلاتها ومناضليها بكل السبل، في الداخل والخارج، لحمايتها وتنويع أساليبها وتوسيع انتشارها.
كما يجب الاستمرار في تقوية وتفعيل العمل الخارجي، مع التركيز على حقوق الإنسان والثروات الطبيعية والجبهة القانونية والقضائية، والواجهة الإعلامية والثقافية.
كما أن الجهود الموجهة للشباب وللمرأة يجب أن تبقى محوراً ثابتاً في برامجنا الوطنية، مع الحرص على تطويرها بما يضمن حضوراً واسعاً وفعالاً في الفعل الوطني، في كل الواجهات.
يجب التصدي بكل حزم لكل ما من شأنه المساس من المكاسب الوطنية كرصيد مقدس مخضب بالدماء والعرق والدموع والتضحيات والمعاناة، بما في ذلك محاربة الإخلالات التي يمكن تسجيلها على مستوى التسيير من أنقاص وثغرات أو تساهل مع التجاوزات.
الإخوة والأخوات،
نحن دعاة سلام ومستعدون للتعاون مع المملكة المغربية من أجل استغلال فرص الحل التي لا تزال قائمة، والتي تحظى بإجماع العالم، والقائمة على احترام حق الشعب الصحراوي، غير القابل للتصرف، في تقرير المصير والاستقلال. إنه باب مفتوح نحو السلام الحقيقي، وستتحمل المملكة المغربية تبعات إغلاقه. أما الشعب الصحراوي فسيتشبث بحقوقه وسيدافع عنها بلا هوادة وبكل السبل.
لقد آن الأوان لتقوم الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بممارسة الضغوطات وفرض العقوبات على دولة الاحتلال المغربي التي ظلت على مدار 25 سنة تعرقل جهود التسوية بطريقة متعمدة، وتمعن في التعنت، بما يستلزم من مجلس الأمن الدولي تحمل كامل المسؤولية.
المغرب يريد أن يجر المنطقة إلى المجهول، ولا يمكن أن نتصور بأن يكون هناك في مجلس الأمن من يدعم أو يساير مثل هذا التحامل المغربي الخطير على السلم والاستقرار في المنطقة.
إن المينورسو، باعتبارها رمزاً لالتزام العالم بتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية، يجب أن تعود بكامل مكوناتها للقيام بكامل مأموريتها، ألا وهي تنظيم استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي. إننا نرفض أن تبقى المينورسو مجرد حارس للأمر الواقع، بالاقتصار على مراقبة وقف إطلاق النار.
كما يجب التعجيل بإطلاق سراح معتقلي اقديم إيزيك وجميع المعتقلين السياسيين في السجون المغربية، والكشف عن مصير كل المفقودين الصحراويين، ووقف النهب المغربي للثروات الطبيعية الصحراوية وإزالة جدار الاحتلال المغربي.
وإذ نتوجه بالشكر كذلك إلى الاتحاد الإفريقي على دعمه لاستكمال سيادة الدولة الصحراوية على كامل ترابها الوطني، فإننا نطالب قادة إفريقيا بتكثيف الجهود، في شراكة فعلية مع الأمم المتحدة، لتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية، آخر مستعمرة في إفريقيا.
كما ندعو الاتحاد الأوروبي إلى دعم الشرعية والديمقراطية وحقوق الإنسان في الصحراء الغربية، بالضغط على المملكة المغربية لوقف احتلالها اللاشرعي لبلادنا وانتهاكاتها لحقوق الإنسان الصحراوي، والامتثال الفوري لقرار المحكمة الأوروبية وعدم المشاركة في أية عملية نهب للثروات الطبيعية الصحراوية.
وإذا كانت فرنسا مطالبة بتغيير موقفها المنحاز إلى جانب الظلم والتوسع والاحتلال المغربي، فإن مسؤولية إسبانيا تبقى قائمة في تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية.
الإخوة والأخوات،
دعوني أنتهز الفرصة مرة أخرى لأعبر عن عميق الشكر والتقدير، باسمكم جميعاً، إلى الجزائر العظيمة، حكومة وشعباً، بقيادة فخامة الرئيس المجاهد عبد العزيز بوتفليقة، على مواقف الدعم والتأييد والمساندة لكفاح شعبنا، والتي ظلت حاضرة بلا تردد في أحلك الظروف وأصعب اللحظات. إنه رصيد حافل بالتضامن على مدار أكثر من 43 سنة، كان من آخر صوره هذا الحضور وهذه المرافقة، على أعلى المستويات، في محنة الشعب الصحراوي بفقدان الشهيد محمد عبد العزيز.
إنها الجزائر الشامخة التي قدمت أروع الدروس للعالم أجمع، بتبنيها لمواقف بعيدة عن الظرفية والمناسباتية، بل متأصلة وذات عمق تاريخي، ضحى من أجلها الجزائريون بمليون ونصف المليون شهيد، منسجمة مع ميثاق وقرارات الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، في سياق رؤية واضحة وحكيمة، تراعي الحاضر كما تراعي المستقبل، تدعم سيادة الشعوب وحقوقها المشروعة واستقرار وأمن المنطقة.
كما نعبر عن عميق التقدير والامتنان لموقف موريتانيا، هذا البلد الجار الشقيق الذي تجمعنا به أقوى علاقات الأخوة والصداقة وأعمق الروابط التاريخية والاجتماعية المتجذرة والمصير المشترك، والتي جسدتها في حضور وتضامن رسمي وشعبي شامل ودائم.
إن المخاطر التي تشهدها منطقتنا هي مخاطر مشتركة، ناجمة عن سياسات دولة الاحتلال المغربي، القائمة على التوسع وإنتاج وتصدير المخدرات وارتباط ذلك الوثيق بتشجيع عصابات الجريمة المنظمة ودعم الجماعات الإرهابية.
من هذا المنطلق فإننا في الجمهورية الصحراوية مستعدون للعمل المشترك مع جيراننا وأشقائنا في المنطقة، وخاصة في الجزائر وموريتانيا، وفي سياق التزاماتنا داخل منظمتنا القارية ومع العالم، اليوم وغداً، في إطار من التعاون والتنسيق والتحالف لمواجهة هذا الخطر المحدق، أمنياً واقتصادياً واجتماعياً.
وفي مناسبة كهذه، لا يمكن إلا أن نوجه تحية التقدير والعرفان إلى كل أصدقاء القضية الوطنية في أوروبا وأمريكا اللاتينية والعالم، مجددين عبارات العرفان للهبة العالمية لمرافقة الشعب الصحراوي في فقدان قائده التاريخي
الإخوة والأخوات،
هذا المؤتمر الاستثنائي مناسبة لنجدد العهد للشهداء والجرحى والمفقودين والمعتقلين والأرامل والثكالى من هذا الشعب البطل الذي قدم أروع دروس الصمود والاستمرارية، في أصعب الأوقات، وهو اليوم أكبر وأكثر قوة وإصراراً على النصر.
اسمحوا لي في الأخير أن أقتبس من كلمة الرئيس الشهيد محمد عبد العزيز في اختتام المؤتمر الرابع عشر للجبهة، حين يقول :" أهدافنا واضحة وخياراتنا محسومة... إن كل سياسات العدو ودسائسه وتعنته لا يمكن أن تقف في وجه إرادة شعب مظلوم، مؤمن بقضيته، متشبث بحقوقه، ملتزم بواجباته، متمسك بالوحدة الوطنية، وملتف حول رائدة كفاحه وممثله الشرعي والوحيد، الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب".
قوة، تصميم وإرادة، لفرض الاستقلال والسيادة.(واص)
090/105.