تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

20 ماي 2023 ذكرى المجد والافتخار

نشر في

 
 بقلم مصطفى الكتاب
حين تطل ذكرى تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب في العاشر من ماي واندلاع الكفاح المسلح في العشرين من نفس الشهر من سنة 1973، أي بفاصل عشرة أيام بين الحدثين العظيمين، نستحضر حتما تلك العشرة أيام التي غيرت مجريات الأحداث في المنطقة المغاربية وإفريقيا والعالم، إذ أعادت الأمور إلى نصابها محليا ونفضت الغبار عن تاريخ تليد من الكفاح والأمجاد بل وأعطته المعنى الذي يستحق، إنها مثل " العشرة أيام التي هزت العالم" التي كتب عنها الأمريكي جون ريد في مؤلفه حول الثورة البلشفية في روسيا القيصرية.
الوقت وإنما على إيمانهم بما هو حتمي الوقوع، وعلى رأسهم صاحب مقولة "الثورة الآن أو لن تقوم أبدا" الشهيد الولي مصطفى السيد، وكل الشهداء البررة الذين سقوا بدمائهم الطاهرة أرض الوطن.
أجواء الاحتفال بالذكرى الخمسين للثورة الصحراوية توقظ الكثير من التساؤلات التي تجعل الواحد منا يتذكر متسائلا، أين كان قبل 20 ماي 1973 وأين صار في نفس التاريخ من السنة الموالية 1974؟ ما هي الأجواء المسيطرة على المدينة أو القرية أو المكان الذي كان يعيش فيه؟ لكن قبل جهد التذكر تنتصب أمامه رمزية 20 ماي الأمل أو الحلم الذي راود الصحراويين عبر مختلف حقب تاريخهم مجاهدين ومقاومين أرّقوا الاستعمار الأوروبي وأفشلوا الكثير من مخططاته، لتتراءى له 20 ماي خريطة طموح يصعب رسمها والسير فيها إلا على من رفض التسليم بوجود المستحيل.
فالمؤتمر التأسيسي للجبهة الذي امتدت قاعته من تندوف في الجزائر حتى ازويرات في موريتانيا، وقبله جغرافية ومسالك ودروب التحضير التي تتشابك مع خطوط طول وعرض الكرة الأرضية، لو حاولنا وضع علامات تضيئ الأماكن التي استهدفها ذلك التحضير لبرزت  الطنطان والعيون، والسمارة، وتندوف، والزّاك، وازويرات، والداخلة، ولكويرة، والرباط، ونواكشوط، ونواذيبو، والجزائر، وباريس وهولندا، وبيروت وطرابلس، ناهيك عن البوادي والوديان وغيرها ووو...
خريطة ترابطت أجزاؤها في تلك العشرة أيام بين العاشر والعشرين ماي 1973، التي فجرت البركان الحارق في الساقية الحمراء ووادي الذهب، وأطلقت المارد من قمقمه وحولت الجميع ـ الصحراويين ـ إلى ثوار يصولون ويجولون رافعين رايات نصر لمسوه قبل أن يتحقق، لسان حالهم يقول صعدنا الجبال سكنا القمم لرفض من قال رعاة الغنم.
وحين تسأل تأتيك الأجوبة كما يلي: 
جاءت 20 ماي 1973 في جو يطبعه الترقب، الإسبان حذرون ويشددون القبضة، ودول الجوار تبث أعينها في الحدود، وبعضها يحيك المؤامرات خاصة في الشمال والجنوب.
أما على المستوى الشخصي، فتتنوع الإجابات من طالب يدرس إلى عامل يكدح إلى تاجر يستورد، إلى راع يبحث عن الكلأ، إلى موظف ينتظر حنان الاستعمار، أو جندي يأتمر بأمر الأجنبي، كل في إحدى نقاط الخريطة المنوه عنها مهموم منشغل بذاته ولذاته.
لكن في 20 ماي 1974 تغير الوضع إذ ارتبطت الأجزاء وانصهرت الهموم وتحولت المشاغل وطغى الهاجس الوطني، مما جعل الإجابة تختلف لتكون:
ـ في  20 ماي 1974، كنا في الجناح العسكري للجبهة نخطط للقيام بعملية عسكرية ضد قوات اللفيف الأجنبي الإسباني احتفاء بالذكرى الأولى لتأسيس الجبهة.
ـ حاولنا نحن مجموعة من شباب العيون في أجواء 20 ماي 1974 أن نصنع قنبلة "مولوتوف" لنضرب بها القوات الإسبانية، لكننا فشلنا في ذلك لأنه لم تكن لدينا خبرة بالفداء وطرقه.
ـ قمنا بالكتابة على الجدران وتوزيع المناشير في شوارع في مدينة السمارة ليلا مستخدمين سيارات الشرطة الإسبانية، عبر مجندين مناضلين.
ـ وفي ماي 1975 سيقول لك أي مجيب كنا نستقبل بعثة تقصي الحقائق الأممية التي زارت الصحراء الغربية والبلدان المجاورة ووقفت على رأي الصحراويين، ونقلته في تقريرها مؤكدة أن: "القوة السياسية المسيطرة في الصحراء الإسبانية هي جبهة البوليساريو" وأن "الصحراويين مجمعين على التمسك بالاستقلال ورفض الأطماع الخارجية".
ـ هيأنا واختطفنا الدوريات العسكرية الإسبانية، يجيبك فدائي مبتسما.
وخلدنا ذكرى 20 ماي الثالثة في العام 1976 بتنفيذ 32 عملية قتالية ضد قوات الاحتلال المغربية والموريتانية (أنظر الجدول):
 01 ماي هجوم على حامية بوكراع.
03 ماي هجوم على حامية لبيرات.
04  ماي هجوم على حامية حوزة.
05  ماي هجوم على آمغالا.
05/06  ماي معارك بين حوزة واجديرية.
09  ماي هجوم على السمارة والهجوم على بير أم اقرين وشنقيطي وودان.
11  ماي هجوم على العيون وقصف آمغالا.
13  ماي هجوم على حاميتي بوكراع ولبيرات في نفس اليوم.
20  ماي مهامجة قواعد: لمسيد، أبطيح، الطرفاية، الحكونية، السمارة، بوكراع، بوجدور، ازويرات، بير ام قرين، حوزة، آمغالا، قلتة زمور.
21  ماي هجوم على حامية بوكراع.
22/23  ماي هجوم على آمغالا.
24  ماي هجوم على قلتة زمور.
26 ماي ّ هجوم على حوزة وقلتة زمور.
فكيف نخلد 20 ماي في 2023؟
المؤكد أننا في الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب اليوم وبعد خمسين سنة من ذلك التاريخ، نعتز بما أنجزنا ونفتخر بما قدمنا وما تحقق لشعبنا من مكاسب أثبتت أن تأسيس الجبهة وبرنامجها السياسي وإدارتها للشأن الصحراوي العام استجاب فعلا لمتطلبات وطموح شعبنا وهو اليوم قاب قوسين أو أدنى من النصر.
ونقف إجلالا وإكبارا للذين قدموا أرواحهم فداء للوطن ولتحقيق حلم وأمل شعبنا، أولئك العظماء الذين رسموا خريطة الطموح وأضاءوها بدمائهم الطاهرة.
لكن هل هذا يكفي؟
أبدا، نعلم علم اليقين أن ما تحقق ليس كافيا، لأننا لم نستكمل السيادة بعد، لكن ذلك لا يضعف من عزيمتنا ولا يدفعنا إلى القنوط أو اليأس، بل يجب أن يكون محفزا لنا جميعا، على المزيد من التلاحم، والمزيد من الالتفاف حول الجبهة الشعبية وبرنامجها وأهدافها وخطها الذي رسمه الشهداء الأطهار، ولنا فيما تحقق خير دليل وأسطع برهان على أننا على صواب. أدلة مادية ملموسة مجسدة في مؤسسات الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ومكاسبها الداخلية والخارجية، وما راكمت من منجزات أفحمت العدو وأبهرت الصديق، وبوأت شعبنا مكانته المحترمة بين شعوب العالم، وفي ذلك إجابة على أحد أسئلة البداية، أين كنا قبل 20 ماي 1973 وأين أصبحنا بعدها؟
 نعلم كما يعلم غيرنا أن ما حققنا من شروط فرض الوجود واستكمال الطموح ليس منة من أحد، ولا هدية ولم يتصدق علينا المجتمع الدولي شفقة أو احتراما للشرعية أو تطبيقا للقانون الدوليين، بل هي دماؤنا وهو عرقنا، وصمودنا نساء ورجالا، وتمسكنا بحقوقنا غير القابلة للتقادم ولا الطمس. هو ما وضع قضيتنا على طاولة أعلى هيئة في النظام الذي يحكم عالم اليوم. نحن الذين روضنا "لحمادة" التي كانت لعنة وسخطا في موروثنا الشعبي، ملأناها بالمدارس والمستشفيات والمساجد والمآذن، أوجدنا فيها الماء وقمنا بتحليته، أقمنا على ظرها الإدارات ومراكز خدمات الأمومة والطفولة والرعاية الاجتماعية. وهذا جزء او نموذج للبرهنة على أين أصبحنا بعد 20 ماي 1973.
ولمن نسي أو تناسى، أو يحاول مجانبة الحقيقة، نقول: البوليساريو موجودة، قوية ومنتصرة، ويحضرني في هذا المقام، موقف لأحد أسرانا الأبطال ـ يحظيه ولد محمد سالم ـ بعد سنين من الأسر، جاءهم المغاربة بدعاية ضمن حربهم النفسية الرامية إلى أن ينهار الأسرى ويستسلموا، وقالوا لهم، لماذا تكابرون؟ البوليساريو انتهت، هُزمتْ ولم يبق لها أثر، فلماذا التعنت؟ انبرى الأسير يحظيه من بين رفاقه ورد عليهم: لا، البوليساريو لم ولن تنتهي، فسأله السجان وما برهانك على ما تقول؟ فأجابه: ألا ترى أن هنا سبعين رجلا من البوليساريو، وما داموا أحياء فالبوليساريو موجودة وباقية.
إذا من حق شعبنا أن يحتفل ويفرح ومن واجبه أن يقيم السهرات والاستعراضات والمعارض والخطب والمهرجات الممجدة للحدث وأن يتغني بما يمثل ويرمز إليه يومي 10 و20 ماي، لأنهما عيدين استثنائيين وذكرى حدوثهما ذكرى خالدة بامتياز، لكنها كذلك هي ذكرى للتذكر والتذكير، وهذا يعني أن هناك معاني أخرى غير الاحتفال، معان كالتذكير بالواجب والمطلوب، والوفاء بالعهد وتأدية الأمانة، فالله تبارك وتعالى أكد في محكم كلامه أن الذكرى تنفع المؤمنين.
مصطفى الكتاب / دبلوماسي وكاتب