الشهيد الحافظ 18 ديسمبر 2022 (واص) - نشرت جريدة الصحراء الحرة مقالا مطولا للكاتب الصحراوي أمحمد البخاري، تحدث فيه بإسهاب عن الفضيحة المدوية التي هزت عرش البرلمان الأوروبي والمتعلقة بالرشاوي التي قدمها المغرب لعدد من المسؤولين الأوروبيين خدمة لأجندته التوسعية.
وفيما يلي نص المقال:
تعج وسائل الإعلام على طول الساحة الأوروبية هذه الأيام بالتفاصيل الأولية للفضيحة المدوية المتعلقة بالرشوة التي هزت أركان أكبر مؤسسة تشريعية في العالم تمثل 27 دولة والتي بطلها المغرب.
وبالفعل، لقد تم إلقاء القبض علي نائبة رئيس البرلمان الاشتراكية اليونانية إيفا كيلي Éva Kaili وصديقها الإيطالي فرانسيسكو جورجي Francesco Giorgi
وصادرت الشرطة البلجيكية في سكنهما مبلغا ماليا هاما كان بحوزتهما، كما اُلقي القبض على النائب السابق الاشتراكي الإيطالي آنطونيو بانزيري Antonio Panzeri الذي يعتبر الشخصية الأبرز التي فتحت الباب واسعا، منذ سنوات، أمام عملية تجنيد ضخمة للبرلمانيين من طرف المخابرات المغربية.
وتمت خلال مداهمات الشرطة أثناء عمليات الاعتقال مصادرة ما يناهز مليون ونصف من العملة الأوروبية مكدسة في حقائب.
تحرك القضاء البليجيكي أتى بعد أشهر من متابعات وتحقيفات شاركت فيها أجهزة عدة بلدان، والتي خلُصٓت إلى التوصل إلى أن الهيئة التشريعية الأوروبية تم اختراقها من لدن مصالح أجنبية، وباتت قراراتها رهينة لتأثير الرشوة وشراء الذمم.
وحسب جريدة المساء البلجيكية (Le Soir) فإن النيابة العامة انتبهت إلى أن وراء ما سمي بقطر غيت ” QatarGate ” تتستر أكبر عملية تجسس وشراء ذمم مدبرة، منذ عشرات السنين، من طرف المغرب.
والحقيقة تكمن في أن الدولة الخليجية طلبت مساعدة المغرب الذي يمتلك لوبيا قويا متغلغلا داخل مختلف مؤسسات الاتحاد الأوروبي وأجهزته وهو الذي ساعد على حصول قطر على تراجع البرلمان الأوروبي عن إدانتها في ما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان وخاصة بالنسبة للعمال الأجانب، بالإضافة إلى التمتع بامتيازات لمواطنيها في موضوع الإعفاء من التأشيرة وحصول الخطوط الجوية القطربة على حرية برمجة رحلاتها علي طول الساحة الأوروبية في مقابل معاملة شركات الطيران الأوروبية بالمثل.
المغرب غيت ”MoroccoGate“
سعى المغرب منذ عقود إلى الحصول على تأييد المجتمع الدولي في حرب الصحراء الغربية، و نتيجة لافتقاده للحق في مطالبه التراببة على الإقليم الذي يوجد على طاولة الأمم المتحدة وجميع المنظمات الإقليمية منذ 1963، باعتباره مسألة تصفية استعمار، لم يبق آمامه إلا شراء الأصوات والأقلام بكل الطرق والوسائل، وبكل ما آوتي من قوة وهذا على مدار ما يقارب الآن خمسة عقود.
انتزعت مراكش ومدن مغربية، انطلاقا من هذه الإستراتيجية، الوجهة الآولى للسياحة الجنسية من مختلف الأصناف قبل بانكوك والمنتجعات المحروسة في آسيا وغيرها من الأماكن، واشتهرت بذلك عالميا عدة فنادق مغربية مثل “المامونية” وغيرها من الدور الخاصة التابعة للمخابرات و”اجنانات” التي تحكي عنها قصص الليالي الحمراء المدفوعة الثمن.
ومنذ حقبة ثمانينيات القرن الماضي، وضع الحسن الثانى قصوره وخدماته تحت إشراف المشاهير والقادة في مقابل شيء واحد، يتمثل في غض النظر عن حرب الإبادة ضد الشعب الصحراوي وتلميع صورة حكمه الدموي وتأييده في محاولة تشريع احتلاله.
هكذا ذاع صيت مملكة العلويين واختار كتاب كثر ومشاهير وسياسيون، من الذين تجلبهم حركات وحلقات جامع الفناء وألوانه وروائحه وأضوائه الليلية التي تجلب جمهورا من مختلف الأعمار والأجناس من عشاق الهوى، اختاروا الإقامة بمراكش والصويرة وطنجة وتيطوان وحتى ورزازات وزاݣورة وغيرها من البلدات والمداشير المغربية التي ما زالت غالبية سكانها تعيش في القرون الوسطي والتي يجدون فيها فرصة التفرد باستغلال بني البشر بعيدا عن كاميرات الإعلام.
مع استمرار حرب الصحراء الغربية وشراستها والدمار الاقتصادي والاجتماعي الذي خلفته على الأوضاع العامة في المغرب، السالبة للكرامة الإنسانية، بالإضافة إلى الهزائم العسكرية المتلاحقة لجيشه المتخندق وراء الأحزمة الدفاعية والعزلة الدبلوماسية المتصاعدة، فرض على المغرب اعتماد الرشوة كوسيلة لبلوغ أهدافه وشراء الذمم في كل المواقع، إذ يتم الاستمرار في جلب الأشخاص المؤثربن ضمن زيارات مبرمجة و“مؤطرة بالمفهوم المغربي”، وعمد القصر المغربي إلى نشر أجهزته في الخارج بكثافة بهدف تشكيل اللوبيات في الدول مباشرة للتأثير علي الحكومات والبرلمانات والصحافة في عين المكان.
ظهرت هكذا إلى الوجود عشرات اللوبيات في مختلف القارات والعواصم، تديرها وتمولها السفارات المغربية من خلال ضباط لادجيد ومتعاونين محليين تحت أسماء مختلفة تقوم بتنظم ندوات ولقاءات في العديد من البلدان وتؤطر زيارات للمغرب ولأراضى الصحراوية المحتلة مقابل المال.
وكثف المحتل المغربي من تنظيم المؤتمرات والملتقيات والندوات المختلفة لاستغلالها بطريقة بشعة في إطار سياسة المغالطات في ما يتعلق بالنزاع الصحراوي المغربي وإصدار تصريحات مغشوشة أو مسروقة من الكثير من الوفود الأجنبية والزوار.
تميز حكم محمد السادس، كما يذكر الكتاب الفرنسيون، بعقلية جمع الثروة والاعتقاد أنه يمكن شراء كل شيء بالمال، وأعطيت التعليمات والأوامر في هذا الاتجاه بهدف ربح الحرب مع تقديم الخدمات السياسية وغيرها للحكومات الأجنبية.
مع تولي محمد السادس، أصبح استعمال القصر والأجهزة الأمنية المغربية لعائدات المخدرات، التي تتجاوز 24 مليار دولار حسب تقرير كتابة الدولة الأمريكية لسنة 2016 ووفقا لمصادر أخرى مثل الأجهزة الرسمية المختصة التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإن هذه العائدات تفوق ذلك بكثير وهذا الأمر معروف لدى الكثير من أجهزة المخابرات الغربية بالخصوص.
منذ سبعينيات القرن الماضي تتسرب من حين لآخر فضيحة من فضائح الرشوة من تدبير المغرب إلا أن اللوبيات والدوائر السياسية العليا في عدة بلدان وخاصة في فرنسا وإسبانيا كانت دائما تقوم بالتستر على ذلك، وقد حصل أن تدخلت تلك الحكومات لمنع الصحافة من نشر تحقيقات حول الموضوع وتكفل القصر المغربي بالزج بالصحفيين المغاربة الذين يتجرأون على التطرق إليه في السجون، الشيء الذي دفع العديد منهم إلي اختيار المنفى.
فضيحة البرلمان الأوروبي
يطرح الملاحظون و عديد الأوساط السياسية الأوروبية، بمن فيهم الكثير من البرلمانيين انفسهم، سؤالا حول مصير القرارات التي سيتخذها البرلمان و هيئات الإتحاد الأوروبي لمواجهة ألأزمة السياسية و الاخلاقية التي عصفت بمصداقبة المؤسسات الأوروبية و التي تمخضت عن تصرفات الشريك المغربي الإجرامية.
نتيجة للتواطؤ المفضوح ، و خاصة من طرف فرنسا و إسبانيا، مع الحرب العدوانية ضد الجمهوربة الصحراوية، و الذي وصل إلي حد الدوس علي كل القواعد القانونية و المبادئ السامية المشتركة التي قام الاتحاد على اساسها يوجد الاتحاد الأوروبي في ورطة غير مسبوقة. و لا شك أن عرقلة تطبيق قرارات محكمة العدل الاوروبية تجسد درجة التهور و فقدان المصداقية التي يعاني منها الإتحاد تحت تأثير اظرفة اللوبي المغربي.
إن ألأزمة السياسية الحالية التي فجرتها فضيحة ” المغرب غيت” تلقي بظلالها خاصة على الظروف التي تم فيها التوقيع علي الإتفاقيات حول الصيد و المنتوجات الفلاحية و حول الشراكة مع المملكة المغربية و منحها صفة الشريك المتقدم في وقت لا تربطها اية قواسم مشتركة مع الاتحاد الأوروبي و لا تشاطرها القيم و المبادئ التي قام الاتحاد الأوروبي على أساسها.
تواطؤ قادة اوروبيين معروفين تحت تأثير الرشوة وسياسة شراء الذمم أوصلوا بعض مراكز القرار في مؤسسات الاتحاد و حكومات بعض الدول إلى حد السكوت عن انغماس المخابرات المغربية في العمل الإرهابي في غرب افريقيا و حتي على الساحة الأوروبية و التنازل امام سياسة المغرب القائمة علي الابتزاز و الضغط المستمر بملفي الهجرة السرية و المخدرات.
تجدر الإشارة إلى أن سياسة شراء الذمم و الرشوة كاستراتيجية مغربية على المستوي العالمي, و في بروكسيل, خاصة لم تجد مناهضة قوية محسوسة نتيجة للتواطؤ الذي سبق ذكره، فكيف تحركت المخابرات المغربية لتعصف اليوم هكذا بمصداقية و سمعة البرلمان الأوروبي الذي يمثل غالبية شعوب اوروبا و المدافع، حسب ما هو معلن، عن الديمقراطية و حقوق الإنسان و الشرعية الدولية ؟
العقيد/ البرلماني/السفير عبد الرحيم عثمون الملقب بالعملاق(Le Géant)
بدأت المخابرات المغربية منذ 1975 بالسيطرة على نشاط السفارات و البعثات في العواصم الكبيرة و عملت على تكوين لوبيات عبر تجنيد شخصيات مؤثرة علي مستويات مختلفة يوكل لها الدفاع عن العدوان المغربي على الشعب الصحراوي. و اشتهر من ضباط لادجيد العقيد عبد الرحيم عثمون، السفير المغربي الحالي في بولندا، الذي تمكن من إعطاء دفع قوي للوبي المغربي في بروكسيل بعد تجنيده لعدد من البرلمانيين و منهم على الخصوص الايطالي آنطونيو بانزيرى الذي اصبح هو الوكيل الرسمي للمخابرات المغربية و الفرنسي جيل بارنيو و كلاهما من المجموعة الاشتراكية.
السيد عبد الرحيم عثمون من اقدم و اشهر ضباط مديرية المخابرات الخارجية المغربية المعروفة بمديرية الوثائق و المستندات, و إختصارا ب “لادجيد “( La DGED ) و التي يسيرها محمد ياسين المنصوري ، صديق محمد السادس، و اول مدير مدني لهذا الجهاز بعد ان كان مديرا لوكالة الانباء الرسمية التي تعتبر هي الاخرى من الوكالات التابعة ل” لادجيد”.
تولى عبد الرحيم عثمون عدة مهام امنية تحت غطاء التجارة في فرنسا لمراقبة المعارضين المغاربة و لتنظيم الخلايا الأمنية لمتابعة السياسة الفرنسية بما له علاقة بالمغرب، ليستدعى بعد ذلك للقيام بمهمة ربط الإتصال بالبرلمانين الأوروبي و الفرنسي و ذلك تطلب انضمامه أولا الي الحزب الدستورى برئاسة الوزير الأول المعطي بوعبيد ليلتحق بعده بحزب التنمية و المعاصرة الذى انشأه صديق محمد السادس و مستشاره الأقرب، فؤاد عالي الهمة، و بتلك الصفة الحزبية تقلد مناصب برلمانية سمحت له بالتغلغل داخل برلمانات في أمريكا الوسطى و الجنوبية و مكنته من قيادة المجموعات البرلمانية المشتركة نيابة عن المغرب مع عدة برلمانات قارية و جهوية منها مجموعات الصداقة و اللجان البرلمانية المشتركة.
العقيد عبد الرحيم عثمون هو الذي تولى تنظيم الرحلات و الزيارات لعدد هام من البرلمانيين من أوروبا و أمريكا اللاتينية و هو الذي انشأ اللوبي بالبرلمان الأوروبي الذي تزعمه البرلماني الايطالي الاسبق انطونيو بانزيري سنوات طوال قبل أن يواصل المهمة من خلال انشاء منظمة غير حكومية تحت إسم جديد و بتمويل مغربي و هذا تحت إشراف العقيد عبد الرحيم عثمون الذي ينسق عمل اللوبي من سفارته في العاصمة البولندية.
و في الاخير، هل سترفع المؤسسات السياسية الأوروبية التحدي من خلال اجتثاث بؤرة الفساد و الرشوة التي لطخت اسم اكبر مؤسسة تشريعية علي المستوي العالمي و المحمية من لدن جهات اوروبية نافذة أم أن المحتل المغربي سيحظي مرة اخرى بالتواطؤ المعهود ضد كل المصالح الحيوية الإتحاد الأوروبي و منها سمعته و مصداقيته؟
لقد اضحى المغرب ذلك الشريك الأجرب, الذي يحوز على وضع متقدم لدى الإتحاد الأوروبي, رمزا للعدوان و لإنتهاك ابسط المبادئ الإنسانية السامية و المثال الحي للفساد بكل تجلياته.
امحمد/ البخاري 18 ديسمبر 2022