تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

في ذكرى يوم الشهداء : وقفة مع فكر الشهيد الولي

نشر في

الشهيد الحافظ9يونيو2015(واص)- الشهيد الولي مصطفى السيد، هو ظاهرة تاريخية لشخص جمع جملة من الكفاءات،و طرح جملة من الأسئلة قبل أن يضع لها الأجوبة في مشروع وطني  يفرض اليوم نفسه كمعادلة صعبة بالمنطقة.

 

كان الشهيد القائد طالبا، وكان رجل إتصال وسياسة،كما كان مخطط المنظومة العسكرية الصحراوية، والمقاتل والقائد الميداني، بل رجل  استراتيجي محنك  ومدرك للتحديات وقادر على وضع الخيارات والمخارج  كونه يعرف كيف يمسك برأس الخيط ،كما يقيمه من عرفوه.

 

الشهيد الولي يمثل في الضمير الوطني "قدوة" في الدبلوماسية وفي ربط الاتصال بالآخر وكسب التحالفات وتشكيلها، كان المفاوض الفذ المقنع سواء مع المناضلين، أو مع الشيوخ ، رجل يعرف كيف يبلور افكاره وكيف ينظم وقته وكيف يسير التنظيم ويحسن إبداع أساليب العمل ، يتقن تصريف الأدوات وتنظيمها، وفي نفس الوقت كان الرفيق المستحيل لرفاقه، والأخ المحب لأخواته، والأب الحنون لكل الأطفال الصحراويين والابن البار للشيوخ والعجائز بحسب العارفين له... كان كل هذا وأكثر وهو لم يتجاوز ال28 سنة حين سقط في ساحة الشرف قبل تسعة وثلاثين سنة..!!

 

الولي بنى فلسفته في القيادة على "الريادة والصرامة والصراحة ونقد الذات" خاصة في مخاطبة ومعالجة الاطر، كما هو بين في خطبه واثاره، تلك  الفلسفة التي  جسدها في الاتصالات  المبكرة مع القوى السياسية في المغرب وموريتانيا ولبنان وفي إقناع القيادات السياسية في  الدول المجاورة(ليبيا، الجزائر، موريتانيا)، وكرسها في تاسيس  جبهة البوليساريو وإعلان الكفاح المسلح، و تشكيل المجلس الوطني الصحراوية المؤقت نوفمبر1975 وإعلان الدولة الصحراوية في لحظة من "تشتت" البال وضعف الإمكانيات وفي ظروف جهوية ودولية غاية في الصعوبة والتعقيد.

 

تلك المبادرة وقوة الإقناع  التي تحلى بها الرجل جعلته يحظى باعتراف كبار شخصيات العالم  ويجد لنفسه مكانة كبيرة بين رفاقه وفي قلوب كل الصحراويين الذين يسيرون  على ذات النهج  نهج الشهداء الذي كان الولي سباقا في سلكه.

 

الولي مصطفى السيد، هو الذي قال فيه الأمين العام الأسبق  للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، جورج حبش بأنه "وجد نفسه  أمام شخصية لم ير لها مثيلا  لا من قبل ولا من بعد   بل اعترف له بالشخصية الفذة  التي تمكنت من سلب لبه وجعلته يتلعثم في حديثه أمامه" بحسب الكاتبة الصحفية اللبنانية ليلي بديع.

 

وقالت فيه الكاتبة اللبنانية ليلى بديع " انه في تفكيره كان اشتراكيا يؤمن بعدالة عمر بن الخطاب،لكنه رأسمالي يؤمن بأن الثروة يجب أن تكون لجميع الشعب ويؤمن بالعدالة الاجتماعية..كونه يؤمن بالإنسان وبالشعب، ".

 

ووصفه من درسوا فكره  انه كان إنسانا عبقريا، ذا قدرات خارقة، يمتلك  رؤية وفكر رجل استراتيجي من طراز رفيع ، كان يدرك عظمة الجماهير وقدرتها غير المتناهية في القيادة والعطاء والريادة والتواصل ، كما كان "يجيد فن التواضع في قدرته على الإقناع .. رجل متواضع  يمقت الترفع و كل مظاهر القيادة السلبية" كما قال الكاتب الاسباني افيلبي بريونيس، في ظرف قياسي  وضع  بصماته على المشروع الوطني في الدولة والتنظيم السياسي موضحا العلاقة بين الاثنين مثل التي بين القاطرة ومحركها.

 

الولي ضمير البوليساريو .. الحاضر الغائب..!!

 

قال الدارسون للظاهرة  أنهم  نقبوا  في أكثر من كتاب درس الرجل ، وتوقفوا عند بعض النقاط المضيئة التي يرون  أنها قابلة بان تكون محور اكثر من ملتقى او دراسة ، وكل جانب منها يصلح لان يدرس بحاله من لدن ذوي الاختصاص بالتعاون مع ذوي الخبرة والمعرفة بتلك الفترة الخصبة من تاريخ المقاومة الصحراوية، والتي لعب فيها الولي دور قطب الرحى، بل المحرك في ظروف  استثنائية وغير مسبوقة في تاريخ الشعب الصحراوي  .

 

وهو الذي علمنا كيف يثور الإنسان و كيف يتفسخ من الدنيا بقدها وقديدها ويمتشق المعاناة من اجل قضايا إنسانية رفيعة..!؟ كيف كان يعطي للقاعدة ولا يأخذ منها ..!؟ كيف كان يرى بان إنصاف الحلول مزالق:" الوطن لا يقبل القسمة فالصحراء اما دولة مستقلة او مقبرة للشهداء" ..!!

 

نبش الذاكرة وشحذها على هذا النحو ، يقود حتما لاستفهام أخر أعمق واشمل ما العمل لشحن الذات وتنقيتها بما يحقق النوعية في الأداء ويكرس ثقافة التضحية والعطاء ويربى فضيلة التطوع  وينقي النفس من الشوائب ويزكيها لخدمة قضايا انسانية رفيعة سامية سمو الحرية والاستقلال ..؟!

 

لقد علمنا الولي رفقة لفيف من الوطنيين ، كيف يصاغ البديل، كيف تحدث النقلة ، كيف يقيم الاعوجاج..!؟ وكيف الاعتماد على النفس وعلى الجماهير ..!!

 

وهو الذي ادرك بان البديل : تفكير ، رؤية واضحة المعالم ، استراتيجية حصيفة صارمة تضع القطيعة فكرا وممارسة مع أساليب وخطط العدو.. و ترجم ذلك في نقد الذات  وجلدها، محاسبة الأطر وفي النهج الذي اختطه للتسيير الذاتي للحركة منذ الوهلة الأولى .. كان الكل يهابه كونه المقدام ، الشجاع ، صاحب النظرة الثاقبة ..!؟.

 

في ذكرى رحيل الرجل، تشرأب الأعناق وتعود إلى البداية ..!! معها ترتسم ملامح مرحلة مفصلية ، وضعت البديل الذي كرس ثقافة القطيعة مع الماضي ( ممارسات قبيلة، ولاءات للاستعمار،عبودية، عدمية سياسية)، و جسد التضحية، وأشاع قيم الرقي الاجتماعي وفضيلة لابتعاد عن المظاهر ومقت الزبونية والمحاباة، وترجل بالتفكير وبالإنسان نحو السمو والعلا في الطموح والاهداف ..!!

 

في ظلال الحدث ، يتجدد العهد، مع استحضار تلك الشخصية العامرة بحب الوطن ، والاعتزاز بالشعب ، المؤمنة بحتمية النصر وقدس رسالة القضية ونبل مقاصدها وشرف اهدافها و تبرز من خلف السنوات ، أنفة وكبرياء الثائروتظهر مميزات الرجل النوعي في تفكيره وفلسفته، وفن تدبيره وسعة علمه.

 

من هنا لابد من تجديد العهد للشهداء الذي يلامس طموحات وطنية، يحترم الأخر يوحد الشعب ،وهو الذي جعل للكل مكانه في العمل ،على اعتبار أن الوطن سفينة تتسع للجميع ، و جبهة البوليساريو مكسب من حرب التحرير والية بيد الجماهي.

رحم الله شهيد الوطن الوالي مصطفى السيد وجميع الشهداء والمجد و الخلود لشهدئنا الأبرار.(واص)

112/090