الشهيد الحافظ 17 يونيو2014 (واص)- تمر اليوم اربعة و أربعون سنة على انتفاضة 17 يونيو1970 بحي الزملة وسط مدينة العيون - الحدث الذي يعتبر نقطة تحول "مفصلية" في تاريخ الحركة الوطنية الصحراوية الذي لعب فيه مؤسسها الفقيد الشهيد محمد سيد إبراهيم بصيري، دورا محوريا في مواجهة السلطات الاستعمارية الاسبانية بطريقة سلمية عبر اسلوب سلمي يقتفي اثار من سبقوه من رواد حركة العصيان المدني في جنوب افريقيا والهند .
ويظل بصيري على "ذمة التحقيق وعلى مسؤولية اسبانيا" مثل قضية تقرير مصير شعب وارض سلمت على "طبق من ذهب" للاخرين في "صك "اتفاقيات مدريد في خيانة القرن التي ارتكبتها الدولة الاسبانية في حق الصحراويين ، بحسب المراقبين
ثم انه أقدم مفقود على وجه الأرض" كما صنفته جمعية اولياء المعتقلين والمفقودين الصحراويين ... ليبقى قميص بصيري لعنة تلاحق اسبانيا لا يعادلها إلا تصفية الاستعمار المصادر منذ زهاء خمسين سنة " بحسب المراقبين والدارسين من الصحراويين والاسبان
بالمناسبة تنشر وكالة الأنباء الصحراوية نبذة عن حياة الرجل
من هو بصيري ؟
ولد الفقيد سيد إبراهيم بصيري سنة 1942 بمدينة الطنطان (جنوب المغرب)، درس في المغرب قبل أن يدخل جامعات القاهرة ودمشق التي نال منها شهادة الليسانس في ميدان الصحافة مع نهاية 1967و شغل رئيس تحرير جريدة الشموع التي منعت من الصدور في المغرب بسبب مقال يدعو فيه الى ان الصحراء للصحراويين
وفي تلك السنة، بادرت اسبانيا إلى طرح مشروع ضم الصحراء إليها حينها قرر سيد إبراهيم بصيري مغادرة الدار البيضاء المغربية باتجاه الصحراء الغربية وأقام بمدينة السمارة أين تقيم عائلته حيث اشتغل بتدريس العربية وعلوم القرآن
ويميز الفقيد بصيري هدوئه كما يميزه حب الاستماع للنصح قبل أن يخطو على أي خطوة حتى في القرارات الصعبة كان يفضل مشورة الآخرين عند اتخاذ القرارات، وعلاوة على معرفته بعلوم القرآن وثقافته الواسعة يعد الفقيد شخصية متميزة ومتنورة في تلك المدينة إلا أن عدم امتلاكه وثائق اسبانية حد من حركته وقلص من انتشار أفكاره ، حسب شهادات من عرفوه
ولعل العوامل التي أدت إلى بروز الرجل هي ظاهرة "الفراغ السياسي" في ظل العدمية السياسية والأمية التي كانت تضرب أطنابها وهى عوامل ايضا أفرزت تحديات ورهانات جديدة، في ظل حركة مد موجة تصفية الاستعمار وانبعاث النهضة في العالم الثالث .
ثم ان المنطقة كانت مقبلة في تحولات جديدة ، وسط أجيج حرب مشتعلة ومؤامرة دولية كانت خيوطها تنسج على نار هادئة في غياب الصحراويين وبرعاية قوى خفية تلعب على الحبلين تارة بين واشنطن ومدريد وأخرى بين الرباط وباريس والتي اتضحت معالمها خلال سنوات 1974- 1975، بحسب المراقبين
وفي أكتوبر 1969 ونتيجة سماع خبر من إذاعة البي بي سي البريطانية نقلا عن صحيفة "الابزيرفر" التي كشفت أن اسبانيا قد تقدم على تقسيم المنطقة عقب تخليها وتسليمها لمنطقة "طرفاية" للمغرب "اختمرت" فكرة تأسيس "حركة" لمواجهة تلك "المؤامرة"والتصدي لها في المهد وذلك في اجتماع موسع تواصل طوال الليل وتمخض عنه الاتفاق على تأسيس تنظيم مناهض للاستعمار الاسباني ،أطلقوا عليه اسم " الحركة الطليعية لتحرير الصحراء" .
سنة 1966 عاد لبصير إلى المغرب بعد إتمام دراسته بالمشرق (سوريا، ثم مصر)حيث اشتغل صحفيا بمجلة "الشموع" إلى أن توقفت عن الصدور ثم مجلة "الأساس" التي اضطر إلي إنهاء عمله الصحفي بها، بعد أن بلغه عن طريق احد أصدقاء عائلته إن السلطات المغربية مستاءة من آرائه السياسية التي ضمنها مقالاته الثلاث والتي خصصها للحديث عن المستعمرة الاسبانية، ونصحه بالنجاة بنفسه، وكانت تلك المقالات آخر ما كتب.
هاجر محمد بصير وأخوه مولاي علي سيد إبراهيم من المغرب إلى رأس الخنفرة على الحدود المغربية الصحراوية، وأقام هناك بضعة أشهر ومنها واصل الرحلة إلي مدينة السمارة حيث ألقي عليه القبض من طرف السلطات الاسبانية هو وأخاه، وبعد ذلك منحته إقامة مؤقتة، كان هذا في أواخر سنة 1968م.
استقر بمحمد بصير المقام في مدينة السمارة إذن، وكما يقول رفاقه، بحسب محاضرة نشطها في الذكرى الاربعين لفقدانه ،محمدلمين احمد عضو قيادة جبهة البوليساريو، فإن وضعية أبناء طينته لم تكن لتروقه، وكان يردد دائما هذه العبارة لمرافقيه وثقاته "لابد من تحرير الصحراء لا أريد أن أعيش في القمامة ".
و يضيف " أن بصيري كان ينتقد بطاقات التعريف الاسبانية وكذا الجنسية المغربية" طكا كان يحيط نفسه بكل الفئات الاجتماعية
واشار الى ربطه الاتصال بالعلامة محمد محمود بيد الله، حيث كان يحاوره في الدين وفي الجهاد في سبيل الله والوطن، كما كثف الاتصال بالشباب وبالعمال والبدو، وبالجنود والمتعلمين، ثم فتح مدرسة لتعليم اللغة العربية بمدينة السمارة مجانا، ومن خلالها ادخل أفكاره ومعتقداته إلى قلوب النشء الصحراوي وذلك مع مطلع سنة 1969.
وكان يسر لبعض الثقات المدنيين وحتى العسكريين والتجار قائلا بحسب ذات المحاضرة "انتم محرومون من خيراتكم" كما "استعمل الرقىة للتغطية على عمله السياسي ، وكان كثير التساؤل عن الجهاد والوطن وعن الأرض وتضاريسها، وما في جوفها وما هي أهم انشغالات اسبانيا، كان يجمع بعض أنواع الحجارة التي يعتقد أنها تدل علي الآثار.".
ويصف محمد لمين أسلوبه في مخاطبة الناس والتقرب منهم انه لبق، فكان متواضع في حديثه، لكنه عميق يدخل قلوب الناس.
وهكذا ، تحول بسرعة إلى شيخ له مريدوه في شمال الوطن الصحراوي بالخصوص، وبلباقته وحسن خلقه استطاع أن يقنع غيره بأفكاره وأهدافه.
فأرسل ثلاث رسائل إلى الحاكم العام الاسباني، بحسب رفيقه سيدي اليساعة لبصير، يضيف المحاضر
أبرزها رسالة مفتوحة باسم الشعب الصحراوي يناير 1969 وكان محتواها:
1- لماذا سلمت اسبانيا منطقة طرفاية للمغرب سنة 1958؟ مع إبداء تخوفه من أن تسلم باقي الأرض للمغرب مخالفة بذلك القرارات الدولية بهذا الخصوص.
2- على اسبانيا أن تتحمل مسؤوليتها في الدفاع عن الصحراء الغربية.
3- المطالبة بتشغيل الصحراويين وإنهاء ظاهرة البطالة في الصحراء.
4- تدريس اللغة العربية في الصحراء.
5- تعبيد الطرق وتسهيل المواصلات بين المدن والقرى الصحراوية.
أما الرسالة الثانية فقد وجدتها ضمن الوثائق الاسبانية المؤرخة في 04 يناير 1969 وهي رسالة مفتوحة من الشعب الصحراوي إلى الدولة الاسبانية:
1- مقدمة حول حسنات اسبانيا
2- صورة من تاريخ المقاومة الصحراوي ضد كل محاولات الاحتلال وان وجود اسبانيا هو ناتج عن ثقة وإرادة الشعب الصحراوي.
3- تنبيه الحاكم العام إلى المرحلة الدقيقة والخطيرة التي تمر منها قضية الشعب الصحراوي.
4- الرفض القاطع لأي انضمام لأية دولة جارة جنوبا وشمالا وشرقا.
5- حرية الشعب الصحراوي في كل المجالات والتقاليد والطباع والمزاج والخلق واختلافه بالتمام والكمال عن الشعوب المجاورة.
6- دفاع الآباء والأجداد عن سيادة الشعب الصحراوي.
7- هذه الأرض لم تكن موطأ قدم لأي أجنبي باستثناء بعض المستكشفين أو التجار أو السياح، ولم تعرف لا سلطان ولا حاكم ولا أمير أو أي موفد من طرف أي منهم.
يقول احدى فقرات تلك الرسالة: "حينما تدعي بعض البلدان اليوم أو من قبل ذلك أنا جزءا منها فان ذلك يعتبر كذبا وافتراء ولا يستند على أي أسس ثابتة...
نطالب كذلك من الحكومة الاسبانية أنها في الوقت المناسب وباتفاق مشترك مع الشعب الصحراوي تمنحنا حكم أنفسنا بأنفسنا وان يكون ذلك بشكل تدريجي كما يفعل الأب مع أبناءه حتى يكتمل البلوغ...
نطالب كذلك من الحكومة الاسبانية وبإلحاح ألا تغادرنا، ألا تخوننا، وتتركنا نتخبط كالأعمى، بل بالعكس أن تبني الصداقة معنا، وان تقوي الأواصر التي تجمعنا وذلك أكثر مما هو موجود اليوم... وان تتخذ مواقف أكثر جرأة وشجاعة مشرفة لها ولنا أمام المجتمع الدولي، وألا تترك قضيتنا في يد دولة أخرى، ولا بيدنا نحن في هذه الظروف، نريد الدولة الاسبانية كي تكشف ثروات بلدنا، وتتعاون معنا في مجال الإيراد والاستيراد، وفي مجال تطوير بلدنا....
رغبتنا في ان تطلبوا من حكومتكم رفع مطلبنا إلى الأمم المتحدة على وجه التحديد والى كل البلدان المحبة لمساعدة الشعوب المستعبدة، والتي منها نطلب التأييد والمساندة لحل مشاكلنا، والى جانبكم انتم أن توفروا لنا الحماية، الأمن كشعب لهو وجوده، عاداته، تقاليده، قيمه ككل الكائنات البشرية". العيون 04 يناير 1969.
وفي يوم 12 ديسمبر 1969 بمدينة السمارة تم تأ سيس الحركة الطليعية التي انضم الى صفوفها عدد كبير من الصحراويين من مختلف الشرائح في ظرف قاسي وصل 18 الف بحسب المصادر الاسبانية يومها
وفي الاجتماع لم يكن قد أعلن عن رئيس أو مؤسس الحركة ، لكن تم تعيينه في الاجتماعات التالية- بحسب افادات من عايشوا الحدث - رغم انه لا يملك وثائق لكن "خبرته وحنكته ودرايته" بالقضايا جعلت أعضاء الحركة ينتخبونه على رأس المنظمة
وقد اختار بصيري أن يكون عمل الحركة سلميا من خلال تقديم مذكرة تتضمن مطالب الحركة بطريقة سلمية ، وفي مرحلة ثانية يتم اللجوء للقوة في حال رفض الحلول السلمية بحسب وثائق الحركة
لهذا اتصل بصيري بالطلبة الصحراويين خاصة في مدينة العيون متخذا من الخطاب "الديني" وسيلة لمواجهة المستعمر والمطالبة بنصر المسلمين، بينما الهدف كان سياسي وهو خلق إجماع صحراوي لطرد الاستعمار الاسباني، بنظر المراقبين
اتفق الحاضرون على توجيه مذكرة عنوانها "رسالة مفتوحة من الشعب الصحراوي إلى الحاكم العام الاسباني في الصحراء الغربية" كتبها بصيري في السمارة وسلمها أعضاء من الحركة يوم 17يونيو إلي الحاكم الاسباني في العيون-ديلما - الذي كان ساعتها في اجتماع للإعلان بان الصحراء هي المقاطعة الاسبانية رقم 53
وطالما عبر بصيري في مذكرته عن رغبته الواضحة في حرية الشعب العربي الصحراوي الذي لم يخضع في يوم من الأيام لسلطات شعوب أخرى،- تضيف المذكرة - و يرفض الانضمام لأي دولة مجاورة من الشرق أو من الشمال أو من الجنوب.
وطالب من الحاكم الاسباني الاتفاق المشترك مع الشعب الصحراوي على منحه الحق في أن يحكم نفسه بنفسه بشكل تدريجي، بحسب ذات المصدر
وفي ليلة 18 يونيو 1970تم إلقاء القبض على الفقيد بصيري الذي لازال مصيره بحسب جبهة البوليساريو مجهولا في غياب ادلة الاثبات (جثة) .
وتوضح معلومات أقارب الفقيد ومن اتصل به منذ أن بات في قبضة الأسبان في ليلة 18 يونيو 1970، أنه أودع السجن المركزي في العيون منفردا تحت حراسة الشرطة والجيش الاسبانيين يحمل الرقم : بي 2875، وقد وجد نفسه مهددا بالتصفية الجسدية تحت الاستنطاق الشديد والتحقيق العميق حتى انه تمت الاستعانة بسبعة محققين كل واحد في قضية مستقلة عن الآخر ،الرابط بينهم إدارة التحقيق ورجال الاستخبارات الكبار في الدولة الاسبانية، بحسب شهادات
"ومن غير المنطقي ولا من المستساغ أن يكون بصيري قد هرب أو سلم لجهات خارج اسبانيا، بل من المنطقي أن يكون قد لفظ أنفاسه الأخيرة تحت التعذيب وبقي مجهولا مطمورا في حديقة من حدائق النظام الديكتاتوري الاسباني الرهيب، لكن ذلك لا يعفي اسبانيا من المسؤولية ليس فقط فيما بخص بصيري بل مصير قضية برمتها.." بحسب مسؤولي من جبهة البوليساريو
ولازال محمد سيد إبراهيم بصيري في عداد المفقودين إلى حد الساعة ولازالت المعلومات حول مصيره "متضاربة" .. لكنه يظل رمز قضية على رأس قائمة تضم المئات من المفقودين ومجهولي المصير واسرى الحرب الصحراويين في السجون المغربية
.(واص)
088/090