تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

على مشارف الذكرى 41 لاندلاع الكفاح المسلح ( جيش البوليساريو : مهام وتحديات )

نشر في

الشهيد الحافظ 19 ماي 2014 ( واص ) - منذ ما يقارب واحدا وأربعين سنة ، وفي ظروف بالغة الصعوبة وفي ظل تآمر ‏مكشوف (إسبانيا ، المغرب ، موريتانيا ، فرنسا والولايات المتحدة) وجد الشعب الصحراوي نفسه في ‏مواجهة حتمية مع المتربصين بقضيته والطامعين في أرضه وسط ضبابية الحرب الباردة و‏أجواء الاستقطاب ، إنه مرغم على خوض الكفاح المسلح في وجه الاستعمار الإسباني ‏ومن بعده الاحتلال الأجنبي ، فكان ميلاد الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ‏ووادي الذهب ( جبهة البوليساريو) خلال مؤتمرها الأول الذي قرر تأسيس جناحها العسكري متخذة من " العنف " المسلح وسيلة للمقارعة ‏وأداة للظفر بهدف الاستقلال والحرية للشعب الصحراوي والتخلص من ربق الاستعمار.‏

 

وهكذا ، تشكلت أول طلائع المقاومة المسلحة الصحراوية ؛ إذ كانت الانطلاقة عسيرة ‏بأسلحة تكرارية عتيدة ( 17 مقاوما متطوعا لا يمتلكون سوى ثماني بنادق بدائية وخمسة جمال ‏وقليل من الزاد ) ، لكنها تمكنت من وضع القطار على السكة ( 20 ماي 1973 ) عندما تولدت ‏النواة الأولى للجيش الصحراوي من خلال " وحدات الثوار " الذين خاضوا معارك في مواجهة الاستعمار الإسباني في عديد المواقع مثل أجديرية ، آكجيجمات ، بئر معط الله والتفاريتي...

 

 

ساعتها لم يكن من بين هؤلاء لا خريجو المدارس العسكرية ولا الأكاديميون ، ‏بل وفقط رجال نذروا أنفسهم لانتزاع حق مغتصب والدفاع عن شرف مهان وخدمة ‏شعب مقسم ووطن مستباح ، واضعين نصب أعينهم هدف الحرية وإقامة دولة مستقلة لكل ‏الصحراويين على كل أرض الساقية الحمراء ووادي الذهب ، سلاحهم إيمان بعدالة الهدف ‏وتشبع بنبل المقصد..

 

 

 ومع تعرض المنطقة للغزو أكتوبر 1975 ، واستنهاض الجسم الوطني في مواجهة الاحتلال ودرء المخاطر ، انخرط آلاف الشباب الرجال في صفوف المقاومة المسلحة ، وعرف الجيش الصحراوي ساعتها " نموا كبيرا وانتشارا واسعا " على جبهات متعددة ، قبل أن يقرر المؤتمر الثالث للجبهة غشت 1976 تسميته ب " جيش التحرير الشعبي الصحراوي " الذي اتخذ ومنذ البداية من حرب العصابات تكتيكا في ‏المقارعة والمواجهة ، ومن أسلوب التوعية برسالة البوليساريو ومشروعية الوسيلة ، رسالة لحشد التأييد " ورص الصف خلف عربة أهداف ومثل جبهة البوليساريو ". ‏

 

خلال السنوات التالية تنوع العتاد وتجدد ، لكن عقيدة وروح الثورة ظلت هي " المتحكم ‏في استراتيجة البندقية الصحراوية " بحسب قياداتها ، في مدها بمناعة الأساليب ، خاصة التأقلم مع الظروف ‏المتغيرة التي فرضتها منعطفات رئيسية مرت منها جبهة البوليساريو والدولة الصحراوية قبل وبعد وقف ‏إطلاق النار في السادس سبتمبر 91 ودخول الأمم المتحدة على الخط.‏

 

 ولم تمض غير سنتين وبضعة أشهر حتى كانت القوات الإسبانية مجبرة على ‏الانسحاب من العديد من المناطق أمام ضربات جيش التحرير الشعبي الصحراوي ‏المتوالية ، بل لقد اضطرت إسبانيا أمام الانتصارات والضغط العسكري على الدخول ‏في مفاوضات مع جبهة البوليساريو ( 9 سبتمبر 1975 ) -يقول إبراهيم غالي - ولم يصل ‏شهر أكتوبر 1975 حتى كان جيش التحرير الشعبي الصحراوي "سيدا" على ‏غالبية التراب الصحراوي وكانت وحداته رغم تواضع تسليحها ‏الخفيف ( سيمنوف وبازوكا ) على حد وصف الضابط الإسباني (خوسي رامون آكيري في كتابه الصحراء الإسبانية : تاريخ خيانة)

 

 

من حرب العصابات إلى حرب الاستنزاف :

‏التجربة الصحراوية تنوعت بمراحلها وتعددت أساليبها إلا أنها حافظت على " صيرورة المزواجة " بين المقاومة الشعبية وحرب العصابات ، كما قال الكاتب والمحلل الإسباني د. كارلوس رويث ، قبل أن يبدأ وقف إطلاق النار والذي جعل عمل الانتفاضة يواصل المشوار ، لكن بطرق جديدة من العصيان المدني وب"مناعة" الأسلوب ، يوضح أحد النشطاء الصحراويين والمعتقلين السابقين في سجون المغرب ..!!

 

 

يمكن أن نلاحظ مرحلتين فاصلتين - حسب ‏تصريحات وزير الدفاع الصحراوي ( محمد لمين البوهالي) : ‏‏الأولى يمكن أن نسميها بعد فترة التأسيس بمرحلة " الدفاع الإيجابي والتأهب للهجوم " إذ ‏فرضت وضعية الاجتياح ( أكتوبر 1975 ــ يونيو 1976 ) على البوليساريو التأقلم مع الظروف الجديدة عبر ما ‏يمكن أن نطلق عليه الحماية حيث تعرضت المنطقة لاحتلال من الشمال ومن الجنوب و‏اكتساح غير مسبوق عرض المدنيين والسكان عامة لخطر الموت وحرب الإبادة في ظل التشريد والنزوح الجماعي والفرار من الجيوش القادمة من الشمال والجنوب .. ‏

هذه الفترة رغم ما اتسمت به من شراسة وقسوة " لم تفرض على جيش ‏التحرير الصحراوي التقوقع أو التسليم بالأمر الواقع ، بل وقف من خطة الدفاع ‏الإيجابي بالمرصاد لمشروع الإبادة : وقد تمثلت مهامه بحسب وثيقة صادرة عن وزارة الدفاع الصحراوية " في :

‏ أ - تأمين المواطنين الصحراويين الفارين أمام القوات الغازية، ونقلهم إلى مناطق ‏آمنة.‏

ب - التصدي للقوات الغازية لتعطيل زحفها. ‏

ج - ضرب مؤخرة الخصم والتأثير على محاور إمداده من جهة ، وتسديد ‏ضربات في العمق استهدفت أبعد النقاط.

 خلال هذه الهجمة الشاملة تم تنظيم صفوف الجيش الصحراوي ضمن قطاعات عملياتية ‏( الجنوب الشرقي ــ الجنوب الغربي ـ الوسط ـ الشمال والشمال الشرقي ) ‏إضافة إلى التطور على مستوى وزارة الدفاع التي كانت من أهم الوزارات في أول حكومة ‏صحراوية سنة 1976) مع استحداث الأركان العامة ورفع مستوى التأهيل القتالي من خلال ‏التدريب لدى الدول الصديقة والشقيقة ، وخلق نواة لمدارس تدريب وطنية صحراوية.‏

 

 أما على صعيد ميدان العمليات فقد سجل جيش التحرير الصحراوي مئات العمليات ‏التي تراوحت بين الهجمات والمناوشات والمعارك الكبيرة ، على جبهة زاد طولها على 2200 ‏كلم من أقصى الجنوب الشرقي لكويرة حتى جنوب المغرب ، مما أجبر القوات ‏المغربية على تغيير تشكيلاتها وتكتيكاتها أكثر من مرة في محاولة منها لاستعادة المبادرة ‏العسكرية التي انتزعت منها منذ البداية ، فتبنت في مرحلة أولى استراتيجية الانتشار بالمناطق ‏الصحراوية والتمركز في القرى والمدن مما جعلها معزولة عن بعضها وسهل "شل" خطوط ‏إمدادها.

 

 

 ويكشف القادة بأن ذلك " التقهقر " جعل الجيش المغربي ومن ورائه المختصين الأجانب ، يفكرون في انتهاج استراتيجية ‏وحدات التدخل ومحاولة " صحروة الحرب " من خلال التجنيد القهري ‏للصحراويين في هذه الوحدات ، لكن ذلك في رأيهم "كله باء بالفشل" إذ استطاع الجيش الصحراوي ‏أن يسجل الملاحم الكبيرة والنوعية العالية التي اعترف بها العدو وشهادات الضباط المغاربة ‏هي خير اعتراف ضباط مغاربة كما دونها الطوبجي في كتابه " ضباط صاحب الجلالة " ثم اعترافات بعض كبار الضباط مثل الجنرال الدليمي والجنيرال ‏لعبيدي والقجدامي. ‏

 

جدران الدفاع لمواجهة هزيمة وشيكة للجيش المغربي أمام ضربات البوليساريو ‏

جسامة الخسائر في صفوف القوات المغربية ( يناير1979 وماي 1980 ) كانت حسب ‏شهادات ضباط كبار مغاربة توحي ب"كارثة حقيقية" لهذه القوات في مواجهة جيش "متمرس ‏متماسك" وفي ظل ظروف جغرافية صعبة ومناخية أصعب ، كانت تنذر بنهاية وشيكة للصراع ‏لولا تدخل من لدن حلفاء الحسن الثاني ( قصر الإليزيه دق ناقوس الخطر ) فجاءت الاستشارة ‏الفرنسية الإسرائلية والدعم اللوجستيكي الأمريكي عبر بناء الجدران ضمن خطة دفاعية ‏مستوحاة من التجربة الفرنسية في الجزائر ( جداري شارل وموريس ) والإسرائلية في خط بارليف ، اللجوء إلى استراتيجية بناء الأحزمة ‏الدفاعية بدءا مما عرف بالمثلث النافع ( العيون ، السمارة وبوجدور).‏

 

" كان الجيش الصحراوي في هذه المرحلة يتحكم في زمام المبادرة ويسيطر على ‏الأرض ( ثلاثة أرباع التراب الصحراوي ) ويمتلك "زمام  المبادأة" في الهجوم والانسحاب وفي" انتقاء ‏الأهداف " يقول الضابط المغربي الطوبجي الذي كان الذراع الأيمن للجنرال ‏الدليمي في ظل تصاعد العمل العسكري باتساع رقعته لتشمل جنوب ‏المغرب ( أمحاميد الغزلان ، الطنطان ، آغا وطاطا ).‏

 

" تميزت هذه المرحلة بالتحول النوعي الذي عرفته القوات المسلحة الصحراوية في ‏مجال التنظيم والتكوين ، إذ تم تطوير الأركان والتشكيلات بما يتلاءم ومتطلبات ‏الظروف والضرورات الميدانية لجيش عصري ذو قتالية رفيعة ؛ فبرزت آنذاك ‏النواحي العسكرية ونتج عن هذا التطور التنظيمي تطور وفعالية في أساليب القيادة ‏والإشراف " – جريدة الخنكة الناطقة باسم الجيش الصحراوي عدد ماي 2012 .‏

 

 

إثر لجوء الخصم للتموقع خلف متاريس الدفاعات ، تبنى جيش التحرير الشعبي الصحراوي استراتيجية ‏"حرب الاستنزاف" في مواجهة استراتجية الجدران ، دشنت بهجمة المغرب العربي الكبير(أكتوبر 1984 في معركة  " أزمول النيران" بمنطقة المحبس التي ظلت متواصلة حتى ‏وقف إطلاق النار سبتمبر1991)‏

الميزة الأساسية لهذه المرحلة هي " تخندق " قوات الخصم خلف متاريس الأحزمة في ظل التمادي في بناء المزيد من الأحزمة ( وصلت ستة جدران ) وتتألف من سواتر رملية يصل ارتفاعها ‏إلى مترين بعرض مترين تتقدمها الأسلاك الشائكة وحقول الألغام وإلى الخلف منها ‏خنادق مضادات الدروع وزرعت على طول امتداداتها التحصينات الدفاعية ونقاط الإسناد ‏والمراقبة .

 أما مراكز القيادة فهي على شكل ملاجيء مخفية تحت الأرض ، تفصل ‏بينها مسافات متقاربة متوسطها 5 كلم. وقد تم وضع نظام حديث من الحواسيب ‏المرتبطة بأجهزة الرادارات الإلكترونية والتي باستطاعتها كشف أية حركة على ‏مسافة قد تصل إلى 60 كلم.

أما داخل الأحزمة فمجزأ إلى خطوط دفاعية :‏

الأول: يحتوي على قواعد المدافع عديمة الارتداد وبطاريات الرشاشات 5 ، 4 1 ملم ‏و23 ملم والصواريخ ال م/ د .‏

والثاني : على مسافة 7 كلم من الأول ويتألف من بطاريات الهاونات المختلفة العيارات ‏تتباعد مواقع نصبها ب 15 كلم الواحدة عن الأخرى مدعومة بمدافع 155 ملم ‏المجرورة والذاتية الحركة.أما وحدات التدخل فتتمركز بين الخطيين، كل ذلك تحميه ‏وتدعمه قوة استطلاع جوية حديثة وطائرات مقاتلة مختلفة الأنواع.‏

وقد أنشى الجدار الأول في غشت 1980 والثاني في فبراير 1984 وهو مكمل للأول ‏ويشمل المناطق الممتدة من بوكراع إلى آمقالا وصولا إلى حوزة.

والثالث في ماي ‏‏1984 ويحيط بالجديرية. وفي الفترة الفاصلة بين يناير وغشت 1985 تم إنجاز ‏الحزامين الرابع والخامس الممتدين من الحدود الجزائرية شرقا حتى جنوب مدينة ‏الداخلة.

أما الجدار السادس والأخير فتم إنجازه عام 1987 من طارف المخنزة إلى ‏الكركارات على ساحل المحيط محاذيا لمساحات واسعة من الحدود مع موريتانيا.

وقد ‏تمركزت بهذه الأحزمة التي بلغ طولها مجتمعة 2720 كلم قوات تقدر ب 170 ‏ألف جندي تدعمها 25 ألف من القوات الجوية.‏

 

 من الناحية الهيكلية فإن جيش التحرير الشعبي الصحراوي يتواجد على الأرض المحررة ، ويتوزع على سبع نواحي عسكرية ‏منها 6 قتالية أمامية والسابعة للإسناد والشؤون الإدارية ، بالإضافة لهيئة أركان عامة ‏ووزارة دفاع تتفرع عنها مديريات مركزية متخصصة تعنى بالميادين التقنية والإدارية والدعم اللوجستيكي والتسليج والهندسة.

 

 

أما من حيث الوحدات القتالية بالناحية العسكرية فهي :‏ فيالق ( مشاة ميكانيكية ، مشاة متحركة ) أفواج (مدفعية ميدان ، مدفعية م/ ط ) وكتائب ( سرايا مختلف الأسلحة).

 

( واص ) 088/090/100