تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

 سبع سنوات على انضمام المغرب للاتحاد الافريقي: عندما تتحول الطموحات الوردية الى سخافة حقيقية.

نشر في
 سبع سنوات على انضمام المغرب للاتحاد الافريقي: عندما تتحول الطموحات الوردية الى سخافة حقيقية.

الشهيد الحافظ، 04 جانفي 2024 (واص) – بعد مرور سبع سنوات على انضمام المملكة المغربية الى الاتحاد الافريقي، فشلت في تحقيق طموحاتها الوردية التي كانت تسعى من خلالها الى اخراج الجمهورية الصحراوية، وتشتيت الصوت الافريقي الموحد، وهو ما أورده الدبلوماسي الصحراوي السفير بكينيا السيد محمد ليمام محمد عالي سيد البشير  في مقاله التالي:

بعد مسار شاق، انضم المغرب إلى الاتحاد الأفريقي يوم 31 يناير 2017 بعد ان قام بالتوقيع والمصادقة -دون تحفظ، على العقد التأسيسي للاتحاد الأفريقي  من خلال الظهير الملكي رقم 1-17-02 المؤرخ في 2017.01.31 والذي تعترف فيه  دولة الاحتلال المغربي علناً بتمسكها وانصياعها للمبادئ التأسيسية للاتحاد الإفريقي بما في ذلك احترام الحدود القائمة غداة الاستقلال (الفقرة ب من البند 4) ). لقد اعترفت المملكة المغربية ضمنا بأن الصحراء الغربية ليست جزءا من التراب المغربي، كما اعترفت بوجود الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، كعضو مؤسس في الاتحاد الأفريقي.

ومن المهم التنويه هنا الى ان المغرب -وبعد محاولات حثيثة ويائسة قصد تقويض دعائم استقرار الاتحاد الافريقي وبعد أن خدع نفسه لفترة طويلة بقدرته على إملاء شروطه التفاوضية على منظمة قارية، سلم اخيرا بالأمر الواقع والمتمثل في ضرورة المصادقة على الميثاق التأسيسي للاتحاد الافريقي دون اي تحفظ على مكانة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية فيه، ليواصل إطلاق العنان في الوقت نفسه لإيهام مواطنيه بوعد كاذب مفاده أنه لن يتخلى عن جهوده الرامية الى عزل الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية من الاتحاد الأفريقي.

الرهان على إخراج الجمهورية الصحراوية من الاتحاد الأفريقي مهمة مستحيلة

 إن محاولة المغرب القول بأن عضويته في الاتحاد الأفريقي كانت تكتيكا خلاقا ومراوغة ذكية بهدف تعديل أو مراجعة مبادئ العقد التأسيسي للاتحاد الأفريقي تعتبر ضربا من الخيال،لأن اهداف تلك المبادئ بعينها تظل الركيزة الاساسية التي قام عليها تأسيس منظمتنا القارية.

وحالما تم قبول طلب انضمامه إلى الاتحاد الإفريقي، لم يدخر المغرب أي جهد في إحاكة المؤامرات والخدع، من قبيل ما بات يعرف  ب "نداء طنجة"، وهو الإعلان القائم على الركائز الأساسية للصورة التي بات يعرف بها المغرب دوليا وهي دبلوماسية دفتر الشيكات لشراء الولاءات، وغيرها من صنوف الابتزاز والفساد - بهدف تعديل الميثاق التأسيسي للاتحاد الإفريقي وانجاز مهمة إخراج الجمهورية الصحراوية أو تجميد عضويتها. غير أن ذلك الهدف يبقى بعيد المنال، لأن الدول الأفريقية التي وافقت على دعم انضمام المغرب، أكدت مجددا، وبكل وضوح، أن ذلك لا يمكن أن يتم على حساب الجمهورية الصحراوية.

كما أنه في حال لم يمتثل المغرب لتعهداته كما جرت العادة،  فإن المادة الثانية والثلاثون من العقد التأسيسي للاتحاد الأفريقي، الخاصة بالتعديل والمراجعة تنص بوضوح على عدم قبول التعديلات والمراجعة إلا من جانب مؤتمر الاتحاد بالإجماع أو بأغلبية الثلثين في حالة تعذر ذلك على ان تقدم الى جميع الدول الأعضاء للتصديق عليها وفقا للإجراءات الدستورية لكل دولة. وهو ما يعتبر دليلا كافيا وضمانة حقيقية لإفشال أي مؤامرة لمواجهة عضوية الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في الاتحاد الأفريقي.

وغني عن القول أن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء رغبة  المغرب في الانضمام إلى الاتحاد الأفريقي كانت في الواقع بهدف التغلب على سلسلة من الإخفاقات الدبلوماسية التي عانى منها بعد محاولاته اليائسة الانضمام إلى كل من الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، وكذا بعد العزلة التي وجد نفسه فيها بسبب التعنت وعدم الامتثال للالتزامات التي تعهد بها أمام الأمم المتحدة، بالإضافة إلى الهزائم القضائية التي مُني بها أمام المحاكم الأوروبية والجنوب أفريقية والبنمية.

وقد حاول وزير الخارجية المغربي الحالي والوزير المنتدب لدى وزارة الخارجية حينها، ناصر بوريطة، غداة انضمام بلاده الى الاتحاد الافريقي، خلال مقابلة أجراها  معه موقع "لو ديسك" المغربي، أن يوضح الأسباب التي تدفع المغرب إلى عدم الاعتراف نهائيا بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية. وفي ذات الحوار عادت حليمة الى عادتها القديمة، ليجترح ذات التفسيرات المخزنية الغريبة في تعليل ما تم الاتفاق عليه بعد التوقيع.

وإذا كان المغرب قد قام بالتوقيع سنة 1991 مع جبهة البوليساريو وتحت رعاية الأمم المتحدة على القبول بتنظيم استفتاء لتقرير المصير للشعب الصحراوي، فإن الخطاب الرسمي المغربي ظل يردد ان قبول الاتفاق ليس من أجل تقرير المصير، بل من أجل التأكيد مجددا على "مغربية" أراضي الصحراء الغربية.

وعلى ما يبدو، فقد حاول المغرب  مرة أخرى أن يعيد التاريخ نفسه، ولكن هذه المرة من داخل هياكل الاتحاد الأفريقي، دون أن يكون عضوا مؤسسا بل بصفته العضو رقم 55، محاولا  القفز على المواد 3 و 4 و 32 من العقد التأسيسي للاتحاد الأفريقي. دون أن نغفل عن حقيقة مفادها انه لن يكون للمغرب حلفاء لهم حق النقض داخل الاتحاد الافريقي، مثلما لم يعني التصويت لصالح انضمام المغرب إلى الاتحاد الأفريقي إخراج الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية من الاتحاد الأفريقي.

فتح "قنصليات" إفريقية في الأراضي الصحراوية المحتلة

طلبت الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية من الاتحاد الإفريقي والدول الأعضاء فيه اتخاذ إجراءات عاجلة لحض  بعض الدول الإفريقية على إعادة النظر في قراراتها بفتح "قنصليات" في الأراضي الصحراوية الواقعة تحت الاحتلال المغربي اللاشرعي.

واعتبر بلاغ لوزارة الخارجية الصحراوية أن فتح "قنصليات" في الأراضي المحتلة من الصحراء الغربية يعتبر " أمرا خطيرا يدوس كل المبادئ التي تأسست عليها منظمة الوحدة الإفريقية ومنها على الخصوص قدسية الحدود القائمة أثناء الاستقلال أي الموروثة عن الاستعمار طبقا للمادة الرابعة من العقد التأسيسي.

ووفقا للبيان الذي اعتمده مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، خلال اجتماعه 984 المنعقد يوم 9  مارس 2021  بشأن متابعة تنفيذ الفقرة 15 من مقرر الدورة الاستثنائية 14 للاتحاد الأفريقي حول إسكات البنادق، فقد طالب البيان الأمين العام للأمم المتحدة لأن يطلب من المستشار القانوني للأمم المتحدة تقديم رأي قانوني حول فتح قنصليات في إقليم الصحراء الغربية المسجل ضمن قائمة الأقاليم التي لم تستكمل منها عملية تصفية الاستعمار بعد.

المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب تنتصر لحق الشعب الصحراوي

أصدرت المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، يوم 22 سبتمبر 2022، حكمها بخصوص الدعوى رقم 018/2018 والمرفوعة قبل ثمان سنوات من قبل ناشط أفريقي من غانا  ضد ثمان دول افريقية، الموقعة كأطراف على بروتوكول المحكمة، كان اتهمهم فيها بتحمل المسؤولية في انتهاك الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشعب الصحراوي، خاصة الحق في تقرير المصير.

ونص الحكم أن "المحكمة لاحظت، بناء على حقيقة أن جزءًا من أراضي الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية لا يزال تحت الاحتلال من قبل المغرب، أن الدول الأطراف في الميثاق عليها الالتزام، فرديًا وجماعيًا، تجاه شعب الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية لحماية حقه في تقرير المصير، لا سيما من خلال تقديم المساعدة له في نضاله من أجل الحرية وعدم الاعتراف بالاحتلال المغربي ولا بأي انتهاك لحقوق الإنسان قد يكون ناتجًا عن هذا الاحتلال".

وأضافت المحكمة أن جميع الدول الأطراف في الميثاق والبروتوكول، وكذلك جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، عليها المسؤولية بموجب القانون الدولي، لإيجاد حل دائم للاحتلال وضمان التمتع بالحق في تقرير المصير للشعب الصحراوي وعدم القيام بأي شيء من شأنه الاعتراف بأن هذا الاحتلال قانوني أو من شأنه أن يعيق تمتع هذا الشعب بهذا الحق.

وعلى الرغم من التركيز بشكل خاص على انتهاك حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، أشارت المحكمة أيضًا إلى أن المغرب ينتهك العديد من حقوق الإنسان المستقلة الأخرى في الصحراء الغربية، بما في ذلك الحق في التصرف في الموارد الطبيعية، لكنها "لاحظت أن انتهاكه هو أمر غير مقبول". "إنه مستمد بشكل أساسي من الحرمان المزعوم لحق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية."

وشددت المحكمة على أن "كلا من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي يعترفان بوضع الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية باعتباره وضع احتلال ويعتبران أراضيها إحدى المناطق التي لم يتم بعد تصفية وإنهاء الاستعمار فيها بشكل كامل" (الفقرة 302). وبالإشارة إلى الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن الصحراء الغربية لعام 1975، ذكّرت المحكمة بأن مطالبات المغرب بشأن الصحراء الغربية "لم يتم قبولها أبدا من قبل المجتمع الدولي". وبالتالي فإن سيادة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية على الأراضي المحتلة هي “حقيقة ثابتة” (الفقرة 303).

مثلما خلصت ذات المحكمة إلى أن "استمرار احتلال أراضي الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية من قبل المغرب لا يتوافق مع حق شعب الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في تقرير مصيره". وعلى الرغم من أن الدول الثماني المعنية لم تنتهك بشكل مباشر حقوق الشعب الصحراوي، إلا أنه يقع على عاتقها واجب مساعدة شعب الصحراء الغربية في كفاحه من أجل تقرير المصير.

ويكرر حكم المحكمة الأفريقية حكم محكمة العدل الدولية ومحكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، مع التأكيد على أن "فكرة تقرير المصير لها صدى قوي في أفريقيا ولها معنى خاص وعميق بالنسبة لشعوب القارة" يُنظر إليه على أنه "الحق في البقاء كشعب".

وتمضي المحكمة الى ان "الدول المعنية، بل وجميع الدول الأطراف في العقد التأسيسي والبروتوكول، وكذلك جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، تتحمل المسؤولية، بموجب القانون الدولي، في إيجاد حل دائم للاحتلال وضمان تمتع الشعب الصحراوي في حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير. مثلما دعتها الى الكف عن القيام بأي شيء يعترف بشرعية الاحتلال المذكور أو يمنع تمتع العب الصحراوي بحقه المشار اليه" (الفقرة 323).

ولا شك ان ذاكرة الشعوب لا تُمحى. والمغرب يعوزه الرصيد في إعطاء دروس في الوحدة الأفريقية أو الديمقراطية للدول التي تعترف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية داخل الاتحاد الأفريقي. فقد ارتبط اسم المغرب بأسوأ صفحات تاريخ أفريقيا الحديث، من نظام الفصل العنصري الأبارتهايد في جنوب أفريقيا، الى علاقته بالتواطؤ مع أسوأ الديكتاتوريات التي اكتوت بها القارة، ليصبح فيما بعد ملاذا للثروات المنهوبة من قبل أولئك الدكتاتوريين  ويتحول الى مقبرة لهم بعد الإطاحة بهم، الى غزوه الصحراء الغربية، ضاربا عرض الحائط قيم قيم الجورة وعُرى الدين.

وفي الأخير وجب التنويه بأن الحكومة الصحراوية قد ودعت العام 2023 بتكريس انتصارات مهمة على الساحة الدولية، مما سيسمح لها بمواصلة تعزيز مكانة الجمهورية الصحراوية على مستوى العلاقات الثنائية والإقليمية والمتعدد الأطراف.

بقلم محمد ليمام محمد عالي سيد البشير،

سفير الجمهورية الصحراوية المعتمد بجمهورية كينيا