الجزائر 24 مارس 2019 (واص) - أكدت المناضلة والناشطة الحقوقية الصحراوية أمينتو حيدار ، أن الصحراويين قبلوا الاحتكام إلى القانون وإلى إرادة الشعب وسيظلون أوفياء لعهودهم مع الأمم المتحدة "مادامت تعترف لنا بحقنا غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال".
وأبرزت الناشطة الحقوقية في حوار مع صحيفة الخبر الجزائرية نشرته في عددها اليوم "لأننا مؤمنون بضرورة سيادة القانون، والقانون الدولي، قبلنا كصحراويين الاحتكام إلى القانون، وإلى إرادة الشعب الصحراوي لأننا لا نخشى الديمقراطية مثلما يخشاها نظام الرباط، وسنظل أوفياء لعهودنا مع الأمم المتحدة مادامت تعترف لنا بحقنا غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال. ولأننا شعب مؤمن بقوة الحق ومتشبث بحقوقه ، فلن نخذل أبدا المنتظم الدولي وسنظل ندافع عن حقوقنا بكل الطرق الشرعية والحضارية إلى أن ننهي هذا الفصل الكريه من الاستعمار في القارة الإفريقية".
نص الحوار
الخبر : كيف تنظرون إلى مسار المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو ، وهل ترون أن هناك إرادة حقيقية من طرف الأمم المتحدة اليوم لإيجاد حل للنزاع الذي عمر أكثر من 40 سنة؟
أمينتو حيدار: في البداية اسمح لي أخي الكريم أن أشكرك ومن خلالك أشكر جزيل الشكر جريدة الخبر على الاهتمام الكبير بقضيتنا العادلة. كما استغل هذه الفرصة للإشادة بالدعم الجزائري المبدئي الثابت والقوي تجاه الشعب الصحراوي، الذي يكن للشعب الجزائري الشقيق كل المحبة والتقدير ونتمنى له الأمن والاستقرار والازدهار في كل الميادين.
بالعودة إلى سؤالكم ، لا يمكنني أن أجزم أو أنفي وجود إرادة لدى الأمم المتحدة ، ففي النهاية الأمم المتحدة هيئة كبيرة وواسعة، بها العديد من الدول والأجندات المتطاحنة. لكن الأكيد أنها قد كانت واضحة عبر تصريحات المبعوث الشخصي للأمين العام الذي أكد في مناسبات عديدة، ومنها خلال اليوم الأول من المفاوضات أن طرفي النزاع المملكة المغربية والجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب( البوليساريو) ، يتفاوضان في إطار قرارات الأمم المتحدة والقرار 2440 على وجه الخصوص الذي يؤكد أن الغاية من التفاوض بين الطرفين هو الوصول إلى حل يضمن حق تقرير المصير للشعب الصحراوي ، وأن الحل يجب أن يكون عادلا، ودائما وواقعيا أيضا. هذه الثلاثية مترابطة، لكنها ترتكز بوضوح على شرط العدالة والديمومة اللتان لا يمكن ضمانهما إلا في حالة التوصل إلى حل يختاره الشعب الصحراوي ، المالك الوحيد للسيادة في الصحراء الغربية في إطار تطبيق مبادئ الأمم المتحدة.
وحتى الساعة ورغم التعثر الكبير الذي طال جهود الأمم المتحدة لعقود بسبب ما نعرفه جيدا من دعم أعمى مخز للدولة الفرنسية للمغرب ، إلا أننا كصحراويين ورغم المرارة مازلنا ننتظر من الأمم المتحدة أن تفي بعهودها وتنظم لنا استفتاءً لتقرير المصير ، رغم أن الشعب الصحراوي قد قرر مصيره فعليا منذ 1976 حين أعلن عن ميلاد الجمهورية الصحراوية. لكن، ولأننا مؤمنون بضرورة سيادة القانون، والقانون الدولي، قبلنا كصحراويين الاحتكام إلى القانون، وإلى إرادة الشعب الصحراوي لأننا لا نخشى الديمقراطية مثلما يخشاها نظام الرباط ، وسنظل أوفياء لعهودنا مع الأمم المتحدة مادامت تعترف لنا بحقنا غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال. ولأننا شعب مؤمن بقوة الحق ومتشبث بحقوقه ، فلن نخذل أبدا المنتظم الدولي وسنظل ندافع عن حقوقنا بكل الطرق الشرعية والحضارية إلى أن ننهي هذا الفصل الكريه من الاستعمار في القارة الأفريقية.
الخبر : كيف تابع الشعب الصحراوي في الأراضي المحتلة المفاوضات ، وهل لا يزال يؤمن بالمفاوضات كسبيل لحل سلمي للنزاع كما تؤمن به أمينتو حيدر؟
أمينتو حيدار: الشعب الصحراوي من أكثر شعوب العالم اهتماما بالأخبار وبما يجري، ليس فقط بخصوص القضية الوطنية، بل وبكل أحداث العالم. ويمكنني أن أوكد لك أن أبناء الشعب الصحراوي في المناطق المحتلة، وفي المخيمات، وفي جنوب المغرب، وفي كل دول العالم يتابعون المفاوضات وغيرها من الأخبار المرتبطة بقضيتهم ثانية بثانية. وأحس شخصيا أن هناك الكثير من الآراء بخصوص المفاوضات تحديدا، بين كافر بها نهائيا، وبين المشكك، والمتشائم، لكن هناك متفائلون أيضا. لكن على العموم، كلنا مجمعون على أن المشكل الرئيسي في المفاوضات هو غياب الإرادة السياسية لدى المغرب في التوصل إلى حل. وكما تعلم، المغرب عرقل ويعرقل جميع جهود السلام، وسيواصل عرقلتها ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فنظام الرباط نظام توسعي ويريد خيرات الصحراء الغربية، لا يهمه كيف أو بأية وسيلة، ولا يهمه الشعب الصحراوي، بل ولا يهمه الشعب المغربي أيضا. أما الإيمان بالمفاوضات كحل، هذا ليس واردا، فالمفاوضات مجرد وسيلة نتمنى أن توصلنا لحل عادل ودائم يضمن حقنا الذي لن نتخلى عنه في الحرية والاستقلال. إيماننا بالله، وبإرادة شعبنا، وبحتمية سيادة الحق على القوة، أما الوسيلة فنتمنى أن تنجح المفاوضات والطرق السلمية، ونتمنى أن يستمع المغرب لصوت العقل قبل قوات الأوان.
الخبر: المغرب عاد إلى طاولة المفاوضات بعد ضغوط مورست عليه، هل هذا يعد مؤشرا في نظركم أن هناك هامش تحرك دولي، يمكن استغلاله لدفع المغرب نحو تقديم تنازلات أكبر والانصياع للشرعية الدولية؟
أمينتو حيدار: بالتأكيد أن هناك ضغوط كثيرة بل ونكسات دبلوماسية تعرض لها المغرب، وربما ساهمت بشكل أو بآخر في التضييق عليه، وكشف ألاعيبه للعالم. منها مثلا الضغوط الأمريكية تحت الإدارة الحالية بسبب موقف مستشار الأمن القومي السيد جون بولتون ، من فشل الأمم المتحدة أساسا وبعثة المينورسو تحديدا في أداء مهامها في الصحراء الغربية. هناك أيضا النجاحات المتكررة التي حققتها جبهة البوليساريو أمام محكمة العدل الأوروبية والمحكمة الجنوب إفريقية ، وهناك كذلك الموقف الإفريقي القوي الداعم لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، هذا الموقف الذي أرغم المملكة المغربية أن تطلب الانضمام للاتحاد الإفريقي صاغرة سنة 2017 وتجلس في نفس القاعة جنبا إلى جنب مع الجمهورية الصحراوية، وهو ما يعتبر اعترافا بها رغم كل التبريرات التي يسوقها المسؤولون المغاربة للقول أنهم لم يعترفوا. إضافة إلى صمود وعمل الجسم الصحراوي المناضل في جميع أماكن الفعل بالمناطق المحتلة وجنوب المغرب، وبمخيمات العزة والكرامة، وبالمهجر الذي أصبح يمتلك القدرة على الفعل أكثر فأكثر بفضل الطاقات الشابة التي تقود الشارع وتقود المظاهرات وتقود العمل الحقوقي والإعلامي لكشف زيف الشعارات المغربية وإيصال صوت الشعب الصحراوي الحقيقي المطالب بالتحرر وبجلاء الاحتلال المغربي نهائيا من أرضنا.
أنا أومن بأن المزيد من الضغوط مطلوب وضروري ، والمزيد من محاصرة الاحتلال المغربي ، ولا يجب أن نمل أبدا كصحراويين وكأصدقاء للقضية الصحراوية ، من توجيه الضربات للاحتلال المغربي مع طبعا الحفاظ على سلميتنا التي تمثل طبيعتنا الحقيقية، شعب منظم، واعي، محب للسلام لكنه أبدا لن يتخلى عن حقوقه.
الخبر: بالحديث عن الضغوط نستحضر الموقف الأمريكي ، ما هو تقييمكم لتعامل إدارة ترامب مع القضية، وهل تتوقعون أن يكون هناك تقدم في مسار الحل في ظل الإدارة الحالية؟
أمينتو حيدار: لا يمكن لأي كان أن يعتبر الموقف الأمريكي موقفا لإدارة ترامب لوحدها، بل ينبغي أن نقول بأنه موقف للولايات المتحدة. صحيح أن إدارة ترامب، ومعرفة مستشاره للأمن القومي للملف قد يكون ساعد نوعا ما في صياغة موقف أقوى من الإدارات السابقة ، ولكن لا يجب أن ننسى أن الإرهاصات الأولى للموقف الأمريكي الحالي تعود إلى سنة 2013 ، حين حاولت السيدة سوزان رايس ممثلة الولايات المتحدة بالأمم المتحدة آنذاك ، أن تدرج حماية حقوق الإنسان في توصية مجلس الأمن. حاليا ، الموقف الأمريكي غير موجه فقط لقضية الصحراء الغربية ، بل هو موقف أمريكي واضح من طريقة عمل بعثات الأمم المتحدة التي تبتلع ملايير الدولارات سنويا دون تحقيق نتائج سياسية، أو اقتصادية أو اجتماعية كافية. ونحن كصحراويين نتفق مع الإدارة الأمريكية في هذه النقطة بالذات ، ونتقول بأن المينورسو قد قضت 27 سنة دون أن تنجز شيئا على الإطلاق. وقد استهلكت حتى الساعة ملايين الدولارات هباء. لهذا نتمنى أن تستطيع الإدارة الحالية تحقيق تقدم ما في مسار السلام في الصحراء الغربية ، على الأقل عبر إرغام المغرب على الشروع في مفاوضات جادة تجعله يقر صراحة بما يريده منا.
الخبر: في مقابل الموقف الأمريكي ، البرلمان الأوروبي من جديد يعطي فرصة للمناورة من خلال اتفاق الصيد مع الرباط ، هل يمكن أن نتحدث عن أمل في ضغط دولي والمغرب يتمتع بكل هذا الدعم؟
أمينتو حيدار: البرلمان الأوروبي ورط أوروبا ونفسه في ما لا يحمد عقباه ، وأعطانا كصحراويين فرصة تاريخية لمتابعة كل الدول الأوروبية وكل الشركات المتورطة أمام القضاء الأوروبي. هذا في حد ذاته فرصة للقضية الصحراوية للانتشار وكشف الجرائم المغربية والأوروبية في حق شعبنا. ففي النهاية أوروبا ليست مجموعة من السياسيين والبرلمانيين فقط، أوروبا فيها أيضا شعوب حية، وصديقة لكنها مثل العديد من الشعوب مغيبة تماما ، ومحاصرة بالدعايات الكاذبة ، ولنا في ما يحصل في فرنسا الآن خير دليل على أن الشعب الفرنسي أو على الأقل فئات واسعة منه ، تعيش حياة كارثية دفعتها للشارع.
إذا في نظري المتواضع ، الدعم الذي يعتقد المغرب أنه يتمتع به هو دعم يحصل عليه من أنظمة أوروبية فاسدة، تقودها شخصيات سياسية فاسدة، أعمتها المصالح الضيقة، وأحيانا المصالح الشخصية، ولا تمثل الشعوب الأوروبية في شيء. وسيأتي اليوم الذي تتعرى فيه كل هذه الأسماء المتورطة في نهب خيراتنا، وفي انتهاك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني في الصحراء الغربية وفي غيرها. عندها سيكون سقوط نظام الرباط مضاعفا ومدويا حين ينكشف للجميع.
الخبر: في مقابل جلوس المغرب إلى طاولة المفاوضات ، لا زالت التقارير الحقوقية سواء الصادرة من الأراضي المحتلة أو تقارير دولية ، تنتقد سجل المغرب الحقوقي في الأراضي المحتلة ، في وقت تبقى الرباط في منأى عن أي محاسبة دولية ، ومطلب ولاية حقوقية للمينورسو معلقا، ما تعليقكم؟
أمينتو حيدار: للأسف الشديد ملف الانتهاكات المغربية لحقوق الإنسان في الصحراء الغربية أكبر بكثير من أن نتناوله في حوارنا هذا. المغرب متورط حتى النخاع في انتهاك جميع الحقوق الموجودة في جميع المواثيق والمعاهدات الدولية، وعلى رأسها ارتكابه لجريمة الاحتلال، هذه الجريمة ضد الإنسانية والتي ارتكب على إثرها جرائم كثيرة ضد الإنسانية منها القتل الجماعي ، والمقابر الجماعية خير دليل، وجريمة الاختفاء القسري ضد مئات الصحراويين ، عشرات العائلات التي انقرضت عن بكرة أبيها في سنوات الغزو الأولى وانتهت بالقتل والدفن في مقابر جماعية. ولا زالت الانتهاكات متواصلة، فالنظام المغربي يتمادى في الاستمرار في ارتكابها ضاربا عرض الحائط الاتفاقيات والعهود الدولية ومتجاهلا توصيات الأمم المتحدة وتقارير ونداءات المنظمات الحقوقية الدولية الوازنة.
كمثال لهذه الانتهاكات الخطيرة وليس للحصر ، جريمة التعذيب التي لازالت تُمارس في مراكز الشرطة ، في السجون وفي المخابئ السرية وحتى في الشارع العام والتي تطال حتى النساء والمسنين بل حتى القاصرين. قمع المظاهرات وتعنيف المتظاهرين ومنعهم بالقوة من الاحتجاج والتظاهر السلمي ، الاعتقال السياسي المبني على طبخ الملفات وتلفيق التهم وانعدام استقلالية القضاء. هذه الجريمة راح ضحيتها عشرات الصحراويين من الجنسين ، وإلى يومنا هذا لا زالت السجون المغربية مكتظة بخيرة المناضلين الصحراويين من أمثال أسود ملحمة أكديم إزيك ومناضلين آخرين ، أذكر من بينهم محمد الحافظ إعزة ، أمبارك الداودي والشاب صلاح الدين لبصير وغيرهم ، والذين يموتون في صمت في ظروف سيئة ورهيبة للغاية وحاطة من الكرامة الإنسانية. هؤلاء الأبطال ذنبهم الوحيد أنهم صحراويون متشبثون بحقهم في الحرية والاستقلال. كما أن المواطنين الصحراويين تحت وطأة الاحتلال يعانون التهميش وسياسة التجويع والتفقير والحرمان من الحقوق الاقتصادية ، الاجتماعية والثقافية ، ناهيك عن الحصار المضروب على الأراضي المحتلة من الصحراء الغربية وطرد المراقبين الدوليين. إضافة إلى إغراق كل مدن ومداشر الصحراء الغربية بالمستوطنين المغاربة والعصابات المنظمة وتفشي ظاهرة المخدرات بشكل علني وخطير واستهداف الشباب الصحراوي على وجه الخصوص.
وهذا كما تفضلتم ليس كلامنا كصحراويين، هذا كلام جميع منظمات حقوق الإنسان الدولية، دون استثناء، كأمنيستي، وهيومان رايتس واتش، ومؤسسة روبرت كينيدي، وفرونتلاين، وحتى بعض المقررين الخاصين التابعين لمجلس حقوق الإنسان الأممي، مثل المقرر الخاص بالتعذيب. لكن، يبقى السؤال المطروح هو : هل يكترث قادة العالم حقا لحقوق الإنسان؟ هل تعتقدون أنهم سيحركون ساكنا بسبب انتهاكات حقوق شعب إفريقي مسلم؟ طبعا لا للأسف الشديد. وما يجري من جرائم ضد الإنسانية في مناطق أخرى من العالم من قبل دول تدعي أنها ديمقراطية هو خير دليل على صعوبة العمل الحقوقي، لكن أعود وأقول أنني شخصيا مؤمنة، ومثلي الكثيرون، أن قدرنا هو أن نبقى واقفين بالمرصاد لكل هؤلاء المجرمين، وأن نفضحهم، وأن نعريهم في عقر ديارهم إلى أن يتوقفوا عن احتقارنا كشعوب. ولذلك، نواصل دفاعنا عن حقوق الإنسان، وسنبقى واقفين، وحتى لو قدر الله علينا أن نسقط يوما في سبيل حقوقنا وحقوق شعبنا وحقوق البشر، سنسقط واقفين في ساحة المواجهة بإذن الله ولن نستسلم أبدا للعدو، أو لليأس. فلا تراجع لا استسلام المعركة إلى الأمام.
( واص ) 090/100