تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

رسالة رئيس الجمهورية الأمين العام للجبهة السيد محمد عبد العزيز إلى الطلبة الصحراويين بموقع جامعة الرباط وباقي المواقع الجامعية

نشر في

الشهيد الحافظ (مخيمات اللاجئين الصحراويين)، 18 ماي 2012 (واص) -  نص رسالة رئيس الجمهورية الأمين العام لجبهة البوليساريو، السيد محمد عبد العزيز، إلى الطلبة الصحراويين بموقع جامعة الرباط وباقي المواقع الجامعية، 17بتاريخ ماي 2012:

"بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى: "وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ"(الأنفال – 46)

إخواني الطلبة الصحراويين بجامعة الرباط وباقي المواقع الجامعية المغربية،

بكثير من الأسف والأسى، مثلي في ذلك مثل كافة أفراد الشعب الصحراوي المكافح، تداعت الى أسماعي تباعا بعض الأخبار غير السارة والمتعلقة بالتداعيات المشينة للمنزلق الخطير الذي وصلت اليه خلافات هامشية بين بعض الطلبة الصحراويين الدارسين في جامعة الرباط المغربية والمتمثل في الشجار والقذف والسباب فيما بينهم أمام الملأ وفي عاصمة الاحتلال، مما يعطي للأعداء الحاقدين فرصة نادرة للشماتة، ويساهم في التأثير، سلبا، على مواقف الشرفاء من أبناء الشعب المغربي الشقيق، ممن دأبوا، منذ أول عهد الصحراويين بالجامعات المغربية، الى التعبير عن الاعجاب والتعاطف مع الشعب الصحراوي من خلال الصورة الطيبة التي تركتها الدفعات المتتالية للطلبة الصحراويين في الجامعات المغربية. جامعة الرباط، تحديدا، لازالت تحوم حول أسوارها وفي أركان مدرجاتها روح الشهيد الولي مصطفى السيد مثالا خالدا للطالب المتفوق في التحصيل العلمي والمسكون بهاجس القضية الوطنية والملتزم، أولا وقبل كل شيئ ، بتكريس صورة تعكس حقيقية الشباب الصحراوي، عناوينها الالتزام الأخلاقي والمرافعة السياسية الراقية عن قضايا الشعب الصحراوي واعطاء المثال للطلبة المغاربة والأجانب في التعاضد والتآزر، معتبرا ان دقة الظرف والتفوق الديمغرافي للأعداء يقتضي، بالضرورة أن يتحدث الطلبة الصحراويون بصوت واحد ويقفون وقفة الرجل الواحد، فلطالما أكد، رحمه الله، على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر" (رواه مسلم) باعتباره طوق نجاة وطريق نجاح الشعوب المكافحة من أجل رفع الضيم وتحقيق أهدافها الوطنية.

لقد أسس مفجر الثورة في جامعة الرباط، مطلع السبعينات، تجربة استثنائية ودليلا باقيا أمام الطلبة الصحراويين يُزاوج من خلاله، بامتياز، ما بين واجب التحصيل العلمي باعتباره أحد الاهداف المركزية في مشروع الثورة الصحراوية ومهمة سفير الشعب الصحراوي وقضيته العادلة لدى الشعب المغربي وأوساطه الجامعية وقواه الحية. تلك التجربة الوضاءة وذلك الدليل المرشد ظلا، طيلة العقود الأربعة الأخيرة، مصدر الهام لجميع دفعات الطلبة الصحراويين في الجامعات المغربية، منتجة أجيالا من الوطنيين الصحراويين منهم "من قضى نحبه" شهيدا في الدفاع عن حرمة وكرامة الشعب الصحراوي، ومنهم من دفع ثمن التزامه النضالي سنوات طويلة من الاعتقال والاختطاف والتعذيب داخل السجون المغربية، ومنهم المئات ممن لا زالوا يقفون، الى اليوم، في طليعة الفعل الوطني و"ما بدلوا تبديلا".

ومنذ الأيام الأولى للغزو المغربي الغاشم لبلادنا، دأب الصحراويون، في مختلف نقاط تواجدهم، على استقبال الأخبار الوطنية السارة من كل المواقع الجامعة المغربية حيث يتواجد طلبة صحراويون، متعلقة بمعارك وطنية ما فتئوا يخوضونها ضد الاحتلال في عقر داره من خلال الوقفات، وحلقات النقاش شبه اليومية وكذا المظاهرات السلمية الحاشدة وأبرزها أحداث جامعة الرباط (ماي 2005) التي شكلت رجع الصدى المجلجل الذي أراد الطلبة الصحرايون من خلاله التعبير للمحتل وللعالم عن وحدة الجسم الوطني ووجودهم في عمق الفعل الثوري الصحراوي. أما اليوم فقد استقبل الصحراويون، للأسف الشديد ولأول مرة، خبرا مفجعا ومشينا من داخل المواقع الجامعية المغربية من خلال الخلافات والصدامات المشينة بين الطلبة الصحراويين المسجلة في جامعة الرباط خلال الأسبوع الماضي، في تطور أبعد ما يكون عن تقاليد وأعراف وثقافة الشعب الصحراوي وعن مبادئ وقيم الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب. تطور سيئ وفعل منبوذ، فتح الباب على مصراعيه أمام أعداء المشروع الوطني الصحراوي، ليشمتوا في الشعب الصحراوي وأبنائه، و كل المصائب قد تمر على الفتى         فتهون غير شماتة الأعداء، كما يقول الشاعر،  يتفرجون عليهم يتقاتلون لأتفه الأسباب، وكانهم لا ينتمون الى هذا المجتمع الأصيل ولا الى هذه الثورة التي شكلت استثناء في تاريخ الثورات الوطنية، بأن ظلت متماسكة، متراصة الصفوف وراء هدف التحرير واستكمال السيادة الوطنية بالرغم من مطبات التاريخ وكيد الأعداء.

إخواني الطلبة،

طيلة سنوات الكفاح الوطني ظلت أمهاتكم من النساء الصحراويات تـُـفاخرن وتـتـفاخرن بعدِّ الشهداء والجرحى والمعتقلين من أبنائهن في ساحات النضال والمعارك مع العدو شرق الحزام وغربه.. فهل ترضون أن تكونوا سببا في جلب المهانة لهن وطأطأة رؤوسهن خجلا وهن يقـُمن بعدِّ الجرحى والمعتقلين  على اثر مواجهات وشجار بين أبنائهن، أبناء الشعب الصحراوي الذي لم يقبل، في أي يوم من الأيام، دخول معركة خارج معركة الوجود والكرامة والاستقلال الوطني؟

لقد شكل الطلبة الصحراويون، طيلة العقود الماضية من تواجدهم داخل الجامعات المغربية، قادمين من مختلف نقاط تواجد الشعب الصحراوي، في العيون وآسا والسمارة وكليميم وبوجدور والطانطان والداخلة وغيرها، من خلال حسهم الوطني السامي وشعورهم بالمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهم،  الفضاء الأمثل للتدليل على اكتمال نضج الشعب الصحراوي ومتانة وحدته الوطنية. فهل ترضون أن تكونوا مصدر أول سهام الغيلة التي تـُسدد، من داخل صفوف الصحراويين، الى وحدتهم التي تشكل حصن المشروع الوطني الصحراوي المنيع وعنوانه الجذاب؟

وبعد أن كنتم في طليعة الفعل الوطني ونقطة تماس الشعب الصحراوي المتقدمة مع الاحتلال، تتعلق أنظار الأرامل والثكالى والأيتام ومعطوبي المقاومة بكم وبقدرتكم على التزود من معين المعرفة واقناع الشباب المغربي بعدالة القضية وتنظيف أذهانه من رواسب الدعاية الرسمية المغربية، هل ترضون أن تخيبوا آمالهم وتتنكرون لروح ومثال الطالب الصحراوي المجد، المثابر والواعي بدوره ورسالته النضالية الذي جسده الشهيد الولي مصطفى السيد ورفاقه خلال دراستهم الجامعية، وبدلا من مواصلة مسيرة الطلبة الصحراويين المظفرة داخل المواقع الجامعية المغربية تبادرون الى احداث الانقلاب وتسجيل سابقة خطيرة في التأسيس للمثال السيء من خلال السقوط في متاهات التفرقة والعصبية والعنصرية؟

وككل الدول الاستعمارية، رفض الاحتلال اقامة جامعات في المدن المحتلة وجنوب المغرب لاعتقاده أن ابعاد الطلبة الصحراويين عن المنطقة سيمكنه من تحييدهم من معادلة الفعل والنضال والتأثير على هويتهم وانتمائهم الوطني، لكنه ظل طيلة العقود الأربعة الماضية يتجرع كأس الهزيمة وفشل مقاربته ورهانه على الزمن حيث بدت جموع الطلبة الصحراويين أكثر اندفاعة وتمسكا بالدفاع المستميت عن حق الشعب الصحراوي في الحرية والاستقلال...، فهل ترضون أن تمنحوا للاحتلال خلال أربعة أيام ما عجز عن تحقيقه خلال أربعة عقود؟

لا أتصور، ولا يتصور الصحراويون، أن أيا منكم سيرضى بذلك.

إخواني الطلبة،

ان الانتماء للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب لم يكن، في أي يوم من الأيام على أساس "بطاقاتي" أو عرقي أو جهوي أو قبلي، وانما على أساس الايمان بروح وأهداف ومبادئ رسالتها التاريخية الهادفة الى تعبئة الشعب الصحراوي وتنظيمه وطنيا في كل نقاط تواجده ومختلف فئاته وانتمائاته من أجل حشد قدراته وتفجير طاقاته الخلاقة على طريق تحقيق الهدف الأسمى، المتمثل في فرض احترام ارادته وحقه غير القابل للتصرف في الحرية والاستقلال.

واليوم، وبعد مرور 40 سنة على تأسيسها، يستعد الصحراويون للاحتفال والاحتفاء بالجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، وقد بلغت سن الرشد وأوصلت الصحراويين، جميع الصحراويين، أعلى درجات النضج والالتفاف حول هدف الاستقلال الوطني، متمسكين، أكثر من أي وقت مضى، "بالعروة الوثقى"؛ الوحدة الوطنية، باعتبارها الدرع الوطني الواقي والصخرة الراسخة الشماء التي تكسرت على أطرافها كل المؤامرات الاستعمارية في الماضي والحاضر، وتبقى صمام الأمان والضمانة الاكبر لحتمية النصر في المستقبل.

والشعب الصحراوي بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب الواعي بحجم المكاسب المحققة وتباشير النصر التي باتت تلوح في الأفق، والمقدر، أيضا، لدقة الظرف وجسامة التحديات وتعدد مكائد العدو لتأجيل موعد النصر الأكيد، لا يستطيع أن يجد مبررا، أي مبرر، لأن تتحول "نعمة" الطلبة الصحراويين واسهاماتهم غير المحدودة في دفع عجلة التحرير الى "نقمة" وعالة على المشروع الوطني تجره الى الخلف، وتضربه في "مقتل" التفرقة القبلية والعرقية والجهوية واستهداف وحدته الوطنية التي ظلت حصنا عصيا ومنيعا بالرغم من تربص الأعداء.

والشعب الصحراوي الذي يجب أن تفتخروا بالانتماء اليه، وبحكم ثقافته البدوية الأصيلة واسلامه السمح والمتسامح، كرس على مر العصور تقاليد راسخة في التضامن الاجتماعي والتآزر والتآخي ونبذ الفتنة والسخط على مثيريها. والصحراوي يكره، منذ الأزل، حمل الغل والأحقاد والقطيعة عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم "لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله اخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام"، رواه الشيخان.

لقد أُسقط في يد شعبكم الأبي بعد سماعه خبر تطور خلافات بعضكم غير المبررة أصلا الى شجار طفيلي وتشابك واستعمال للأسلحة البيضاء في سابقة لاعهد للصحراويين بها أبدا، وهي أبعد ما تكون عن تقاليد الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب. تنافر غير مبرر، يفتح نافذة عريضة يطل من خلالها العدو بوجهه القبيح لإذكاء سعير الفرقة والبحث عن موطئ قدم بين ظهرانكم، يظفر من خلاله بالفرصة التي طالما حلم بها، ألا وهي اختراق الجسم الطلابي الصحراوي واستعماله "كعب أخيل" للإجهاز على المشروع الوطني الصحراوي من خلال نفث سمومه المقيتة في كل بيت صحراوي، عملا بسياسة "فرق تسد" التي شلكت وتشكل العقيدة الأقرب الى قلوب كل الأنظمة الاستعمارية على مر التاريخ. وقديما قال الامام الشافعي:

ولا ترَ للأعداء قطٌ ذلا                 فان شماتة الأعداء بلاء

إخواني الطلبة،

بالنظر الى ما قدمتم وتقدمون من فعل نضالي راق وتضحيات مهمة، فان العدو لم يكن لينام ليلة واحدة ألا وهو يفكر في أنجع الطرق لاحداث الوقيعة بينكم، وما دام "كل اناء بما فيه ينضح"، فلم يكن أفضل لديه من الصيد في مياه "القبلية" و"الجهوية" و"العرقية" الراكدة. مياه عفنة، آسنة ومتسخة، يفترض أن يكون الطلبة الصحراويون، وهم شعلة الحاضر وامل المستقبل، أبعد فئات المجتمع الصحراوي عن السقوط في أوحالها والتلطخ بأدرانها.

لقد ولدتم في سياق حرب تحرير وطنية عانى ويعاني أباؤكم وأمهاتكم ويلاتها بشكل يومي بسبب احتقار الاحتلال المغربي لهم واتخاذه قرار ابادتهم والاستيلاء على أرضهم وثرواتها. ألا ترون كيف يُقتل أبناء جلدتكم الصحراويين، يُقهرون ويُعذَبون يوميا، فكيف لكم أن تختلفوا وتفكروا في شيئ خارج التنادي لرفع الضيم عنهم؟ ألا ترون كيف تتم اهانة واغتصاب وتعنيف الحرائر من بنات شعبكم، كيف لكم أن تختلفوا في شيء قبل الانتصار لكرامتهن؟ ألا ترون كيف تنكر الدولة المغربية حق شعبكم في الوجود، وتمنعه، بكل غطرسة وجهالة، من حقه في تقرير مصيره بكل حرية، كيف لكم، وامل هذا الشعب معقود بنواصيكم، أن تتفرقوا، ونحن في أكثر الأوقات مدعاة للحمة والتآلف والتآزر، ومدعاة لتمثل قصة الشاعر العربي المهلب بن ابي صفرة حين اشرف على الوفاة  واستدعى ابناءه السبعة.. ثم امرهم بإحضار رماحهم مجتمعة، وطلب منهم ان يكسروها، فلم يقدر احد منهم على كسرها مجتمعة، فقال لهم: فرقوها، وليتناول كل واحد رمحه ويكسره، فكسروها دون عناء كبير. عند ذلك قال لهم: اعلموا ان مثلكم مثل هذه الرماح، فما دمتم مجتمعين ومؤتلفين يعضد بعضكم بعضا، لاينال منكم اعداؤكم غرضا، اما اذا اختلفتم وتفرقتم، فانه يضعف امركم، ويتمكن منكم اعداؤكم، ويصيبكم ما اصاب الرماح:

كونوا جميعا يا بني اذا اعترى                        خطب ولا تتفرقوا أفرادا

تأبى الرماح اذا اجتمعن تكسرا                       واذا افترقن تكسرت آحادا

إخواني الطلبة،

قال جل وعلا حاكيا عن موسى عليه السلام "لا تشمت فـيَّ الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين" (الأعراف – 150)

ان شعبكم الذي عهدكم في مقدمة الفعل الوطني، حاملين بيارق النصر، مهللين بحتميته، تتسابقون لتأدية الواجب والذود عن الأرض والعرض، ليتطلع اليكم من مختلف مناطق تواجده وكله ثقة في قدرتكم على احتواء الخلاف، والترفع عن صغائر الأمور واقبار هذه الصفحة المشينة الى أبد الآبدين. الشعب الصحراوي كله يقين في ارادتكم الراسخة لصهر جميع طاقاتكم في بوتقة الفعل الوطني لربح المعركة الأم، وحل الخلاف الوحيد والتناقض الأكبر وهو القائم مع الاحتلال المغربي منذ أربعة عقود.

كلنا ثقة في أن ما حدث يوم 10 ماي الجاري وماتلاه، ليس سوى "كبوة جواد" سرعان ما سيعاود الوقوف بعدها، أكثر صلابة وأكثر ثقة واكثر احساسا بحجم المسؤولية وووعيا بمكائد الأعداء وتأهبا لدرئها، يُنشد مع الشاعر العربي المقاوم:

يا أمنا الأرض ابشري واستبشري        مازال يحرس عرضك الأبناء

لك ان عطشت من الدماء موارد          واذا عريت من الجسوم كساء

وتقبلوا، إخواني الطلبة، أسمى آيات التقدير والثقة واليقين الراسخ في بقائكم شعلة متقدة للوطنية ومدادا لا ينضب في المرافعة عن قضية شعبكم العادلة وجيشا احتياطيا يتسابق للشهاددة دفاعا عن كرامته وسيادته.

محمد عبد العزيز

رئيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية

الأمين العام للجبهة للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي اتلذهب" (واص)

 

062\090