الشهيد الحافظ 10 يونيو 2024 (واص) - لعبت المرأة الصحراوية دورا بارزا في المشهد السياسي في خضم معركة حرب التحرير التي يخوضها الشعب الصحراوي بقيادة جبهة البوليساريو منذ أزيد من خمسين سنة في مواجهة الاستعمار الإسباني ثم الاحتلال المغربي رغم إكراهات الفقر والجهل والتخلف والسياسة التي انتهجها الاستعمار من خلال القبلية والجهوية في ظل النظرة النمطية للمرأة والمسؤوليات الاجتماعية في البيت والأسرة .
وكان للمرأة الصحراوية حضور متميز في شتى جوانب معركة التحرير والبناء منذ البدايات الأولى للثورة التحريرية، كما كان لها دورها الكبير في الإدارة والتسيير وغيرها من جوانب الحياة اليومية، وكانت حاضرة بقوة في المقاومة بل حشوتها الدافعة في المظاهرات المنددة بالاستعمار الإسباني ومن بعده الاحتلال المغربي .
ومنذ تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب تبوأت المرأة مكانة معتبرة في العمل السياسي والتنظيمي في شتى مناحي الحياة، فكانت لمشاركتها السياسية جهودا معتبرة من حيث إغناء المؤسسات الصحراوية بكفاءات نسائية "نموذجية" في ميادين الإدارة والتشريع والإعلام والدبلوماسية وفي تنمية روح المبادرة وترقية الحس الاجتماعي للأسرة والمجتمع.
وتعتبر تجربة المرأة الصحراوية "فريدة" كونها وليدة ظروف "استثنائية" في المخيمات والمناطق المحتلة والأراضي المحررة وفي المهجر، بل تشكل نموذجا متفردا ورائدا في الديمقراطية والتسيير والعمل التعبوي في العالم العربي وإفريقيا .
المرأة الصحراوية ساهمت في تكريس ديمقراطية مباشرة عبر المؤتمرات الشعبية الأساسية والندوات السياسية منذ سبعينيات القرن الماضي؛ حيث وجدت نفسها مرغمة على الاطلاع بمسؤوليات الرجال في جميع الميادين السياسية والثقافية والاجتماعية، لأن معظم الرجال ذهبوا إلى جبهات القتال، مما اضطر المرأة من باب "المكره" إلى حمل هموم القضية الصحراوية والتعريف بها عبر الإعلام والثقافة والدبلوماسية، إلى جانب مسؤولياتها في الأسرة والمدرسة والمستوصف والمستشفى، بل إن البعض منهن امتشق البندقية واتخذ مواقع متقدمة في جبهات القتال على غرار الشهيدة سيدأمي إبراهيم التي رافقت المقاتلين سنوات الكفاح كممرضة وطبيبة.
ويحسب للمرأة الصحراوية دورها الذي تركته بصماتها على الأرض في التعليم، الصحة، الثقافة وغيرها، وفي تسيير المؤسسات في البلديات والدوائر وفي العمل الإعلامي والدبلوماسي رغم وجود نسب مرتفعة من الجهل والأمية وإكراهات نظرة المجتمع لها بفعل ثقافته المحافظة ونظرته الدونية لها، لكنها تحدت كل ذلك وقهرته بفضل صمودها وإرادتها وتسلحها بالإيمان بقدسية الرسالة وحب الوطن ونبل المقاصد.
وكان حضور المرأة الصحراوية لافتا في تجربة ديمقراطية فريدة في العالم الثالث وخاصة في المجتمعات العربية الإسلامية، حيث شاركت في المؤتمرات الشعبية العامة للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، وسيرت شؤون المخيمات في ديار اللجوء عبر مؤسسات اجتماعية، تربوية، صحية وإنتاجية، وفي المناطق المحتلة قادت مقاومة تليدة في مواجهة الاحتلال، كان من أبرز معالمها مخيم أكديم إزيك سنة 2010 الذي يعتبر شرارة ما أطلق عليه الربيع العربي، وقبل ذلك معركة الكرامة التي خاضتها الناشطة الصحراوية أمينتو حيدار بمطار لانثاروتي بجزر الكناري، هناك برزت المرأة بقوة في مواجهة الاحتلال.
وقبل ذلك المشاركة في المؤتمرات والندوات السياسية التي يتم فيها انتخاب أو تزكية أمناء الفروع السياسية ورؤساء الدوائر منذ 1976م وقبل هذا وذاك فقد تم انتخاب أول امرأة في المكتب السياسي لجبهة البوليساريو تتمثل في شخصية مينتو محمد أحمد لمريداني سنة 1974م ومنذ ذلك الوقت بدأت المرأة الصحراوية في تطور سريع حيث تبوأت مكانتها في صنع القرار السياسي في الأمانة الوطنية والحكومة والبرلمان والبلديات والدوائر بالولايات الصحراوية الخمسة، بل إن المرأة الصحراوية كانت لها مساهمة في ترقية التجربة الديمقراطية الصحراوية في النقد والنقد الذاتي في الندوات السياسية التي تشكل منابر للتعبير عن الرأي ونقد التجربة وممارسات الفاعلين ووضع التصور والحلول إزاء قضايا الساعة، إلى جانب مساهمتها في ضخ دماء جديدة عبر صناديق الاقتراع للهيئات السياسية لجبهة البوليساريو في كل المواعيد السياسية.
وفي كل مؤتمراتها تقدم مساهمة ليس فقط في "تكريس الديمقراطية" بل وأيضا في "تأصيل" تجربة ممارسة المرأة للديمقراطية وتكييفها مع واقع المجتمع سواء في الأساليب أو الآليات والنظم عبر الثقيف انطلاقا من تجربة مستمدة من واقع معاش لمدرسة صحراوية أصيلة .
وأخيرا فإن تنصيص المؤتمر الثالث عشر للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب على أهمية وجود المرأة في صنع القرار السياسي عبر محاصصة "كوطا" في الهيئات السياسية، ليس انتقاصا من أهليتها، بل اعترافا بدورها وحضورها الذي فرضته بعملها الميداني ليس في الميادين الاجتماعية والثقافية فحسب بل وأيضا في الانتفاضة السلمية التي تبوأت فيها دور "الريادة والقيادة" على مدار سنوات الكفاح المسلح للشعب الصحراوي وثورته المظفرة، خاصة انتفاضة الاستقلال منذ 2005 في ملحمة تاريخية مرصعة دوما بدماء النساء والرجال.
ومن هنا فإن المكاسب التي حققها الصحراويون والصحراويات على مدار كل هذه السنين مخضبة بالدماء والعرق والمعاناة التي كابدتها المرأة قبل الرجل في جبهات الصراع الساخنة في السجون والمعتقلات في دهاليز أكدز وقلعة مكونة وبسيمي سيمي والسجن لكحل بالعيون المحتلة، وفي صمودها في مخيمات العزة والكرامة في ديار اللجوء ودعمها للمقاتلين في جبهات القتال واحتضانها لكافة نشطاء ومناضلي الانتفاضة على طول سنوات الكفاح المرير.
وتظل التجربة الديمقراطية للمرأة الصحراوية مصدر "فخر واعتزاز" ليس فقط لها بل للمرأة العربية والإفريقية، كونها تشكل دروسا وعبر تضاف للتجربة الإنسانية بصفة عامة.
ولم يتحقق كل ذلك إلا بفضل وعي الرجل ومن خلاله المجتمع في ظل رعاية وتأطير من جبهة البوليساريو والدولة الصحراوية التي وضعت المرأة في مكانتها "المستحقة كشريك في العمل، والمكرسة في القوانين والنظم المسيرة للعمل في قانون المنظمة ودستور الدولة .
للإشارة، تعتبر مشاركة المرأة الصحراوية في الحياة السياسية أمرا جديرا بالثناء، حيث ترأست مؤخرا امرأة المجموعة التي تمثل الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في البرلمان الإفريقي، وفي الجولات والزيارات الرسمية تشكل النساء جزءا من الوفود الصحراوية الهامة التي تشارك في المؤتمرات الدولية والملتقيات وغيرها من الأحداث رفيعة المستوى، وعلاوة على ذلك، كانت المرأة الصحراوية حاضرة ضمن الوفد المفاوض مع المغرب تحت إشراف الأمم المتحدة واليوم المرأة الصحراوية مطالبة بالحضور في كل الاستحقاقات الانتخابية كحق وواجب.
( واص ) 090/100